ورواه شريك، وهو سيئ الحفظ، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. ولو كان شريك ثقة لم يقبل منه تفرده بما لم يتابعه عليه أحد من أصحاب عاصم، فكيف وهو سيئ الحفظ، فالنكارة ظاهرة على روايته، والمنكر لا يمكن الاعتبار به، ولا تقويته، وأعجب ممن يحاول أن يقويه بمرسل من هنا أو موقوف من هناك، فإذا كان الشاذ، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه لا يعتبر به، فكيف يعتبر بالمنكر.
وإذا أضيف على ذلك اضطراب شريك في حديثه عن عاصم، سندًا ومتنًا ازداد ظلمة على ظلمته، واستوحشت النفس من قبول روايته، فالحديث انطوى على أربع أو خمس علل: الأولى: تفرد شريك بهذا اللفظ عن عاصم. العلة الثانية: مخالفته لكل أصحاب عاصم، ممن روى هذا الحديث، مثل الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن إدريس، وابن عيينة، وأبي الأحوص، وابن فضيل، وزهير بن معاوية، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأبي عوانة الضحاك بن عبد الله اليشكري، وجرير بن عبد الحميد وغيرهم كثير حتى قاربوا العشرين راويًا، فلو كان هذا الحرف من حديث عاصم كيف غاب عنهم، وحفظه شريك، مع سوء حفظه. العلة الثالثة: شريك لا يعرف بالرواية عن عاصم، وليس له إلا هذا الحديث، وأثر موقوف على عليٍّ، فتفرده، ومخالفته لأصحاب عاصم، مع قلة روايته مما يزيد من نكارته وغرابته. قال يزيد بن هارون كما في سنن الترمذي (٢/ ٥٦): «لم يروِ شريك عن عاصم بن كليب غير هذا الحديث الواحد». يقصد مرفوعًا، وقد تحققتُ من صحة كلامه عن طريق البحث الحاسوبي. ولهذا ضعفه الترمذي واستغربه، فقال في السنن (٢/ ٥٦): «هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ... ». وكونه قول أكثر أهل العلم لا يجعل الحديث المنكر صالحًا للاحتجاج، بل لو أجمع العلماء على سنية وضع الركبتين قبل اليدين كان الاحتجاج بالإجماع وليس بالحديث المنكر، ولهذا حكم بضعفه وغرابته الإمام الترمذي، فالحسن عند الترمذي هو الحديث الضعيف، وكونك تذهب بالفقه إلى ترجيح تقديم الركبتين يجب أن يكون هذا بمعزل عن الحكم على الحديث من حيث الصنعة الحديثية، فالعمل عند أكثر أهل العلم لا يرفع حديثًا معلولًا. =