للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الباب أحاديث كثيرة، وما ذكرته كافٍ في الاحتجاج لهذه السنة.

قال ابن حجر: «وهذه الأحاديث ظاهرها وجوب التفريج المذكور لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب» (١).

وهذه الأحاديث التي ذكرتها لا تدل على الوجوب، لأنها حفظت عن النبي من السنة الفعلية، والفعل لا يدل بنفسه على الوجوب، ولو حفظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالمجافاة لم يكن ذلك وحده ليقتضي الوجوب حتى يكون ذلك هو ما فهمه الصحابة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحفظ ذلك، ولو عن واحد منهم، فإذا لم يفهم الصحابة من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوجوب، ولم يفهم ذلك التابعون، ولا تابعوهم وكان القول بالوجوب عاريًا من أقوال القرون المفضلة، ثم ذهب الأئمة الأربعة إلى استحباب المجافاة لم يكن القول بالوجوب له حظ من النظر، وإن نزع إلى ذلك أحيانًا أهل الظاهر كما هي طريقتهم في فهم النصوص، واعتمادهم على اللغة فقط في فهم دلالة النصوص، واللغة إحدى الأدوات وليست الأداة الوحيدة،

فإذا أضيف إلى مسألتنا ما نقله بعض أهل العلم من الإجماع على استحباب المجافاة، كما سيأتي نقله في دليل خاص، فقد أغلق باب احتمال حكاية الوجوب، والله أعلم.

وانظر إلى حديث أم عطية في الصحيحين: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا (٢).

فقول أم عطية: (ولم يعزم علينا) هذا الفهم الذي تتحدث عنه أم عطية رضي


= الصحابة لأبي نعيم (١٠٣٤).
ومسلم بن إبراهيم كما في سنن أبي داود (٩٠٠)، ومعجم ابن الأعرابي (١١٠٩)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (١٠٣٤).

وأبو نعيم الفضل بن دكين كما في شرح معاني الآثار (١/ ٢٣٢)، والمعجم الكبير للطبراني (١/ ٢٧٩) ح ٨١٣، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (١٠٣٤).

(١). فتح الباري (٢/ ٢٩٢).
(٢). صحيح البخاري (١٢٧٨)، وصحيح مسلم (٩٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>