للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقوى الاستدلال بهذه الطريقة على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب إلا بدليل، فتكون أفعاله في الصلاة بيانًا لهذا الأمر المجمل: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ومثله حديث: لتأخذوا عني مناسككم، وتكون الرؤية في الحديث يقصد بها العلم، أي صلوا كما عَلِمْتُمُوِني أصلي.

وإذا أخذنا حديث مالك بن الحويرث في سياق قدومه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وجلوسه عنده ما يقارب العشرين يومًا، وهو يصلي معه، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين مصرفهم منه أن يصلوا كما رأوه يصلي، كانت الرؤية في حق مالك ومن كان معه رؤية بصرية.

ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بأصحابه طيلة العشرين يومًا صلاة تامة بفروضها وسننها، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، فالاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اقتصر على الواجبات دون السنن طيلة بقاء مالك بن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك مما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما دليل الركنية أو الوجوب فتؤخذ من أدلة أخرى، فالمقطوع به هو الاستحباب، ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة؛ ولأن الأصل في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - المجردة الاستحباب، والله أعلم.

الدليل الخامس:

(ح-١٩٥٠) ما رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه،

عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه القصة - قال: إذا أنت قمت في صلاتك، فكبر الله تعالى، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، وقال فيه: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك (١).


(١). سنن أبي داود (٨٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>