للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب الثالث:

قاعدة أن ما صح في النفل صح في الفرض هذا صحيح في الجملة، والاستدلال بالقواعد ليس كالاستدلال بالنصوص؛ لأن العصمة للنص، والقاعدة أغلبية يدخلها الاستثناء، فينبغي ألا تحمل هذه القاعدة على ما يمكن أن يكون في حكم المتروك في الفرض، فالفرائض تتكرر خمس مرات في اليوم، وهي تفعل في مجامع الناس وليس في البيوت، والعناية بها أشد حتى نقل لنا الصحابة ما يسن فيها وما يجب، وكانت محل اهتمام رصد الصحابة رضي الله عنهم في نقل صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم -، حتى نقلوا لنا قبض اليدين، ومواضع رفعها، وإشارة الأصبع، وصيغ التشهد، وصيغ الاستفتاح، وأدعية الركوع والسجود وما بين السجدتين، وأكثر هذه الأذكار مما لا يجهر به، مما يدل على حرص الصحابة على نقل صفة صلاته إلى الأمة حتى حفظوا كل ذلك، ثم لا يوجد حديث واحد يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول في الفريضة، ألا يقال: لو كان فعل، ولو مرة واحدة لنقل إلينا، بل يقال: لو كان هذا من شريعة الله لحفظه الله لنا في الفرض حيث تتكرر في الليل والنهار أكثر من أي عبادة أخرى، ولا يوجد في النفل إلا من هذا الوجه في وتر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر الرواة على عدم ذكره، ومن ذكره قد اختلف عليه في ذكره، فلو كان هذا الفعل معهودًا منه عليه الصلاة والسلام في صلاة النفل لتوافرت الدواعي على نقله من أكثر من حديث، فلما لم يَأْتِ إلا من هذا الطريق الغريب، حيث تفرد به سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وخالفه شعبة، وهشام، وهمام، وأبو عوانة، ومعمر في قتادة فلم يذكروه، صار الاحتياط للشريعة عدم قبوله، والله أعلم.

ولو ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله في النفل، ولم يثبت أنه فعله في الفرض مع توفر الدواعي على نقله فإن هذا يدل على جوازه في الفريضة لا على استحبابه؛ إذ لو كان مستحبًّا لفعل، ولو فعل لحفظ ونقل، أما الاستحباب مع كونه في حكم المتروك فهذا فيه بعد، والله أعلم.

الدليل الثالث:

(ح-١٩٦٤) ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، حدثنا الحكم، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>