فتبين لنا في خلاصة هذا البحث، أمور منها: الأول: أن المحفوظ في إسناده: علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة، وكل من خالف ذلك زيادة أو نقصًا في إسناده فهو إما شاذ أو منكر، وقد روى البخاري في صحيحه حديثًا من رواية علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع، انظر فتح الباري (ح ٧٩٩)، وإنما تجنب البخاري إخراج هذا الحديث في صحيحه للاختلاف على علي بن يحيى بن خلاد في ألفاظه. الثاني: أن بعض الرواة تتفق روايتهم مع رواية أبي هريرة، وهذا هو المحفوظ من حديث رافع، كرواية داود بن قيس، ورواية ابن عجلان، ولكن لا يمكن قبول ما ينفرد به بعضهم عن بعض، ويكون مخالفًا لحديث أبي هريرة؛ لأن قبول ذلك يعني ما يلي: (١) ذكر دعاء الاستفتاح، وقد تفرد به إسحاق بن عبد الله، ولم يذكر في حديث الصحيحين، وجاء بلفظ يدل على وجوبه في الصلاة، والقول بوجوبه ضعيف. (٢) تكبيرات الانتقال، وقد تفرد بذكرها إسحاق ولم تذكر في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، وقد جاء في حديث رفاعة بلفظ يدل على وجوبها في الصلاة، وهو خلاف قول الجمهور. (٣) مد الظهر عند الركوع، وضع اليدين على الركبتين، وليس ذلك في حديث أبي هريرة، وقد جاء ذلك بلفظ يدل على وجوب ذلك في الصلاة. (٤) الافتراش بين السجدتين. (٥) الافتراش في وسط الصلاة عند التشهد. (٦) ذكر الأذان والإقامة في بعض طرقه، وليس ذلك مذكورًا في حديث أبي هريرة. فإن قيل: إن ذكر هذه الأمور لا يجعلها واجبة. فالجواب من وجهين: الجواب الأول: يرى فريق من العلماء أن حديث المسيء صلاته اقتصر على إرشاده إلى فرائض الصلاة المجمع عليها، وهو كذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين، فكل ما ذكر في حديث أبي هريرة في الصحيحين لا يتنازع العلماء في وجوبه، إلا أنه لا يعترض عليه في وجوب بعض الأشياء مما لم يذكرها، إما لأنه لم يخلَّ لها، أو لأنه اقتصر على ما كان واجبًا في ذلك الوقت، وذلك لا يمنع أن يجب في الصلاة بعد ذلك مما لم يكن واجبًا، كما كان الناس يتكلمون في الصلاة، ثم حدث المنع بعد ذلك، وكما كان التطبيق مشروعًا حال الركوع، ثم نسخ، إنما يصح الاعتراض لو أن حديث أبي هريرة ذكر شيئًا من السنن، فكل ما ذكر في حديث أبي هريرة في الصحيحين فهو من الواجبات المجمع عليها، ولم يذكر سنة واحدة، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء أن الحديث اقتصر على فرائض الصلاة دون سننها،. انظر إحكام الأحكام (١/ ٢٥٧)، الاستذكار (١/ ٤١١)، التمهيد (٧/ ٨٥)، التوشيح شرح الجامع الصحيح (٢/ ٧٦٩)، فتح الباري (٢/ ٢٧٩)، العدة شرح العمدة لابن العطار (١/ ٤٩٨). =