للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[م-٤٩٤] المصلي الذي لا يقدر على القيام فهذا لا خلاف أنه يصلي قاعدًا ضرورة، ولا يكلف بالقيام؛ لأنه تكليف بما لا يطاق.

وأما المشقة الخفيفة التي لا يُخْشَى منها زيادةٌ في المرض، ولا تَأَخُّرٌ في البرء، ولا تلهي عن الخشوع في الصلاة، ولا عن تدبر الأذكار، فهذه لا تسقط القيام.

وهناك مشقة بين هاتين المرتبتين، فما دنا من العليا أوجب التخفيف، وما قرب من الدنيا، كحمى خفيفة لم يوجبه، ولا يوجد ضابط يمكن الرجوع إليه إلا بالتقريب، وقد ذكر القرافي أن المشاق تختلف باختلاف رتب العبادات فما كان في نظر الشرع أهم يشترط في إسقاطه أشد المشاق أو أعمها، وما لم تعظم مرتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق الخفيفة.

وقد أشار الشيخ العز بن عبد السلام إلى أن الأولى في ضبط مشاق العبادات: أن تضبط مشقة كل عبادة بأدنى المشاق المعتبرة في تخفيف تلك العبادة، فإن كانت مثلها، أو أزيد، ثبتت الرخصة، وإن كانت أدنى منها لم توجب التخفيف.

ولذلك اعتبر في مشقة المرض المبيح للفطر في الصوم: أن يلحقه مشقة في الحضر بسبب المرض كمشقة الصوم في السفر.

وفي إباحة محظورات الإحرام: أن يحصل بتركها، مثل مشقة القمل الوارد فيه الرخصة.

وفي إباحة ترك القيام إلى القعود: أن يحصل به ما يشوش الخشوع وتدبر الأذكار، ولا يشترط فيها الضرورة، ولا العجز عن صورة القيام اتفاقًا (١).

قال القرافي: لا تشترط الضرورة، ولا العجز عن إيقاع صورة القيام إجماعًا (٢).

فإذا كان العجز لا يراد به معناه اللغوي: أي عدم الإمكان، فمتى يسمى المصلي عاجزًا شرعًا عن القيام؟


(١). الفروق للقرافي (١/ ١١٩، ١٢١)، قواعد الأحكام (٢/ ١١، ١٢)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: ٨١)، وانظر: حاشية الجمل (١/ ٣٤٠)، نهاية المحتاج (١/ ٤٦٨)، كفاية النبيه (٤/ ٩٢).
(٢). القرافي في الذخيرة (٢/ ١٦٢)، وحكاه ابن عبد السلام في القواعد (٢/ ١٢)، المنثور في القواعد الفقهية (٣/ ١٧٢)،.

<<  <  ج: ص:  >  >>