(٢). الحديث أُعِل بأكثر من علة، العلة الأولى: أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود. قال البيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٤٠٩): «حديث أبي عبيدة عن أبيه مرسل». وقال النسائي: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد. قلت: وإن لم يسمع من أبيه فإنه في حكم المسند عند المحققين من أهل العلم. جاء في شرح علل الترمذي لابن رجب (١/ ٥٤٤): «قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت. قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني: في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأتِ فيها بحديث منكر». قال ابن رجب في شرح البخاري (٧/ ١٧٤): «وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة». وقال أيضًا (٨/ ٣٥٠): «وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم». وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلقٍّ لآثاره من أكابر أصحاب أبيه ... ولم يكن في أصحاب عبد الله من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل إنه لم يسمع من أبيه». العلة الثانية: الاختلاف على المنهال بن عمرو في قوله: (خالف السنة)، وفي رواية: (أخطأ السنة)، وهما بمعنى.
فقد رواه ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة: أن عبد الله رأى رجلًا يصلِّي قد صفَّ بين قدميه، فقال: خالف السنة، ولو راوح بينهما كان أفضل. فقوله: (خالف السنة) إطلاق السنة ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع. رواه سفيان الثوري كما في مصنف ابن أبي شيبة (٧٠٦٢)، وفي المجتبى من سنن النسائي (٨٩٢)، والسنن الكبرى له (٩٦٨) ورواه شعبة كما في المجتبى من سنن النسائي (٨٩٣)، والسنن الكبرى له (٩٦٩)، والطبراني في الكبير (٩/ ٢٧٠) ح ٩٣٤٨، والبيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٤٠٩)، ... كلاهما (سفيان وشعبة) عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو به. ورواه عبد الرزاق في المصنف (٣٣٠٦)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (٩/ ٢٧٠) ح ٩٣٤٦، عن الثوري، عن رجل، عن المنهال به. وهذا الرجل هو ميسرة. ورواية سفيان بلفظ: (خالف السنة) وقال شعبة: (أخطأ السنة). ... وخالف الأعمش ميسرة بن حبيب فرواه عن المنهال موقوفًا ليس فيه قوله: (خالف السنة)، رواه ابن أبي شيبة ف المصنف (٧٠٦١) حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن المنهال، عن أبي عبيدة، قال: رأى رجلًا يصلي صَافًّا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل. والأعمش مقدم على ميسرة بن حبيب، من جهتين من جهة أنه أكثر أخذًا للحديث عن المنهال بن عمرو من ميسرة. والثانية: أن الأعمش أعلم بحديث ابن مسعود من غيره. قال سفيان بن عاصم: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: ما أحد أعلم بحديث ابن مسعود من الأعمش. انظر سير أعلام النبلاء (٦/ ٢٣٣). وحفص بن غياث من المشهورين بالأخذ عن الأعمش، وقد احتج الشيخان، وأصحاب السنن بروايته عن الأعمش، إلا أن حفصًا تغير حفظه قليلًا بعد ما ولي القضاء. وسواء أقلنا: إن قوله: (خالف السنة) محفوظة أم لا، فهي متوجهة لإلصاق القدمين، وأما المراوحة فهي موقوفة على ابن مسعود، لا غير.