للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحكم على هذا الفعل بأنه مكروه، ثم يستدل عليه بما يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما بال أقوام)؟ وهذا الاستفهام للإنكار (يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتى قال: (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم)، هل يمكن أن يرد مثل هذا الوعيد، وهذا الإنكار على شيء مكروه؟ لا يمكن، ولهذا؛ الصحيح أن رفع البصر إلى السماء والإنسان يصلي حرام، بل من كبائر الذنوب؛ لماذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد عليه» (١).

والقول بالكراهة هو مذهب الأئمة الأربعة، وحكاه إجماعًا طائفة من العلماء، فإن صح الإجماع المنقول فإنه يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، ولعل العلماء حملوه على الكراهة اجتهادًا؛ لأنهم يرون النهي في الحديث معللًا، وأن علة النهي تدور عندهم: إما على الالتفات في الصلاة، أو على منافاته للخشوع، ولا تنافي بين العلتين فالالتفات بلا حاجة منافٍ لكمال الخشوع، وكلاهما لا يقتضي التحريم، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما أعلم إن العلة تعبدية، وسوف أتكلم عن علة النهي إن شاء الله تعالى بعد قليل.

وقال ابن حزم: تبطل الصلاة بالنظر إلى السماء (٢).

وحكاه العبد لياني الحنبلي في الحاوي بصيغة التمريض، ونقله عنه المرداوي في الإنصاف.

قال في الحاوي: «ويكره التفاته اليسير لغير حاجة، ورفع بصره إلى السماء، وقيل: تبطل به وحده» (٣).

وبنى حكمه على قاعدة: أن الأصل في النهي التحريم والفساد.

ولأنه قد نهي عنه في الصلاة بخصوصها، وفعل المحرم المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها، ومع أن شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يذهب إلى القول


(١). تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (٢/ ١٢).
(٢). المحلى، مسألة (٣٨٦).
(٣). الحاوي في الفقه على مذهب الإمام أحمد (١/ ٣٦٧)، وانظر: الإنصاف (٢/ ٩١)، وفتح الملك العزيز بشرح الوجيز - لعلي بن البهاء الحنبلي (٢/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>