للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمقتضى هذه القاعدة، إلا أنه لم يقل بموجبها في هذه المسألة، فقال بالتحريم، وحكم بصحة الصلاة.

• واختلفوا في علة النهي عن النظر إلى السماء:

فقيل: لخروجه عن سمت القبلة (١).

قال القاضي عياض: «وفي رفع البصر إلى السماء إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة» (٢).

وهذا بعيد؛ لأنه إذا كان لا يخرج عن سمت القبلة بالنظر إلى موضع سجوده، فَلِمَ يخرج عن سمت القبلة بالنظر إلى السماء؟ بل إن الالتفات بجزء من البدن لا يخرجه عن حكم التوجه للقبلة حتى يلتفت بكل بدنه.

وقيل: لأنه ينافي الخشوع المأمور به في الصلاة، قاله ابن بطال من المالكية، وابن تيمية من الحنابلة (٣).

فمن خشوع البصر: أن لا ينظر العبد إلى جهة العلو تذللًا لله، فلله العلو المطلق علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، ومن كمال التعظيم عند مناجاة المعظم ألا ترفع بصرك إليه عند الوقوف بين يديه.

ولم يذكر العلماء علةً للنهي غير هاتين، الالتفات ومنافاة الخشوع، ولعل ذلك ما جعل الأئمة الأربعة لم يذهبوا إلى القول بتحريم رفع البصر إلى السماء؛ لأن النظر إلى السماء إن كان ينافي خشوع القلب، فالخشوع مستحبٌّ في قول أكثر العلماء، وحكي إجماعًا، وإن كان المقصود به خشوع الجوارح، ومنه البصر، فإن النظر في السماء إن عُدَّ ذلك من الحركة في الصلاة فإنه يدخل في الحركة اليسيرة التي لا تبلغ التحريم، مع أن احتساب ذلك من الحركة بعيد؛ لأن تنكيس الرأس إلى موضع السجود لا يعد من الحركة في صلاته، إلا أن يقال: لم يعد باعتباره مطلوبًا في صلاته في أحد قولي أهل العلم، وسوف يأتي بحث الخشوع إن شاء الله تعالى


(١). مرعاة المفاتيح (٣/ ٣٤٩).
(٢). إكمال المعلم (٢/ ٣٤١)، وانظر: فتح الباري (٢/ ٢٣٣).
(٣). شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٣٦٥)، درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>