للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان الذي خلف النبي صلى الله عليه وسلم يرى لزامًا تأخر النبي صلى الله عليه وسلم، فيتأخر الصف الأول لتأخر النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأخر الصف الثاني لتأخر الصف الأول، ولم يكن العلم بالتأخر والتقدم؛ لأن السنة النظر إلى قبلة المصلي، بل لأن التأخر سوف يأتي على موضع سجود المصلي إن قلنا: إنه هو موضع النظر بالنسبة إليه، ولم يكن هذا الفعل معهودًا في الصلاة، فلا يمكن القول بأن مثل هذا الحديث في هذا الحال الاستثنائي يمكن أن يؤخذ منه حكم عام في موضع نظر المصلي في جميع الصلوات؛ لأن الفعل لا عموم له، فكيف بالفعل العارض على خلاف المعتاد؟

وأما حديث خباب فهو في بيان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية، لكن حين سئل كيف عرف ذلك؟ قال: من اضطراب لحيته، فهذا الفعل من خباب غايته أن يدل على جواز النظر إلى الإمام إذا لم يكن فيه التفات برأسه، وهو محل اتفاق، ويجوز مع الالتفات بالرأس إذا كان لحاجة، أما أن يدل هذا الحديث على استحباب النظر إلى الإمام مطلقًا ففيه نظر، فإذا نظر المأموم لإمامه لغرض صحيح كمعرفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية، أو للتعلم من الإمام فلا حرج فيه، ولا يؤخذ منه استحباب النظر إلى الإمام مطلقًا في جميع الصلوات، والله أعلم.

ويبقى الحديث الذي ينظر في دلالته على هذه المسألة هو حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا، فقال لهم: تقدموا، فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم ... الحديث (١).

واقتداء الصف الثاني بالأول اقتداء بالأفعال، لا بسماع التكبير، ويلزم منه النظر إلى الصف لا إلى موضع السجود.

فهذا الحديث سنة قولية، وحكمه عام في جميع الصلوات، ولم يُفْعَل لعارض.

الدليل الثامن:

أمر الله سبحانه وتعالى المصلي بالقيام في صلاته {وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين} [البقرة: ٢٣٨]، ونهاه الشارع عن رفع البصر في الصلاة، وسكت الشارع من غير نسيان عن الباقي، وما سكت عنه فهو عفو، فكان مقتضى الامتثال فيما لم يرد فيه نص


(١). صحيح مسلم (١٣٠ - ٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>