الصلاة، وإنما جاءت متفرقة في أحاديث صحيحة، وهذا كافٍ في المشروعية.
وأما حديث المسيء في صلاته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له في حديث أبي هريرة في الصحيحين إلا ما كان واجبًا للصلاة، وترك جميع سنن الصلاة فلم يذكرها، فكان ترك ذكر وضع اليدين في الصلاة متفقًا مع ما عليه جمهور الفقهاء من أن الحديث أصل في ذكر واجبات الصلاة، والله أعلم.
الدليل الرابع:
قال ابن بطال نقلًا عن ابن القصار:«وجه قول من كره ذلك: أنه عمل في الصلاة، وربما شغل صاحبه، وربما دخله ضرب من الرياء»(١).
• ويناقش:
لو كان القبض ليس مشروعًا في الصلاة لم يكره لمجرد القبض، فإن في القبض كَفًّا لليدين عن الحركة والعبث، فكان فعله فيه مصلحة تعود للصلاة، كيف، وهو من أعمال الصلاة المشروعة، نقله ابن عبد البر عن عموم الصحابة، والسلف.
وأما تركه خشية الرياء فهو من أضعف التعليلات ذلك أن الأعمال المشروعة لا تعمل من أجل الناس، فذلك شرك، ولا تترك خشية الرياء، فإن ذلك من حبائل الشيطان، فلا يترك العبد عبادة الخالق خوفًا من المخلوق، ولو فتح هذا الباب لترك المسلم كثيرًا من العبادات والسنن؛ خوفًا من الرياء، وبعض هذا الخوف متوهم، وليس حقيقيًّا، فبعض الناس يَعدُّ ما يجده في نفسه من السرور بثناء الناس عليه من الرياء، وليس ذلك كذلك، وليس من الكسب المذموم إذا كان الباعث على العمل ليس طلب الحمد، فإن المذموم أن يحب العبد أن يحمد بما لم يفعل، كما قال تعالى:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. [آل عمران: ١٨٨]، فمفهوم الآية أن من أحب أن يُحْمَد بما يفعل، ولم يكن الباعث على العمل طلب الحمد فليس ذلك مذمومًا، بل من عاجل بشرى المؤمن، أن يكون للعبد ذكر حسن عند المؤمنين، قال تعالى:{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِين}[الشعراء: ٨٤]، والله أعلم.