للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد! قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك. فقال: يا بني سلمة، دِيَارَكم تكتب آثاركم، دِيَارَكم تكتب آثاركم (١).

فقوله: (دياركم) أي الزموا دياركم، منصوبة على الإغراء.

• وأجيب عن هذه الأحاديث:

قال الشاطبي: لا دليل فيها على قصد نفس المشقة ... ففي البخاري ما يفسره، فإنه زاد فيه: وكره أن تُعْرَى المدينة قبل ذلك، لئلا تَخْلُوَ ناحيتهم من حراستها» (٢).

(ح-١٠٥٨) فقد روى البخاري من طريق الفزاري، عن حميد الطويل،

عن أنس رضي الله عنه، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تعرى المدينة وقال: يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم، فأقاموا (٣).

وقوله: (تُعْرَى المدينة) قال ابن رجب: والعراء: الفضاء الخالي من الأرض، ومنه قوله تعالى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [الصافات: ١٤٥] (٤).

• ورد هذا الجواب:

بأنه لا يمنع أن تكون هذه علة أخرى في الأمر بإبقائهم في ديارهم، ولا تعارض العلة السابقة، والحكم قد يركب من أكثر من علة.

• ويجاب عن هذا الرد:

هذا القول لا يغني شيئًا؛ لأن الكلام على اعتبار البعد عن المسجد مقصودًا لذاته، فإذا كان تابعًا فلا إشكال، فالقرب من المسجد والبعد عنه بحسب المصالح المتعلقة بذلك، لا يقصد من أجل الخُطَا، فبقاء بني سلمة بعيدًا عن المسجد كان أفضل لما يترتب عليه من مصالح، وقد يتحقق لأحد من الناس من القرب من المسجد مصالح أعظم من فوات كثرة الخطا، كيسر المحافظة على التكبيرة


(١). صحيح مسلم (٦٦٥).
(٢). الموافقات (٢/ ٢٢٥).
(٣). صحيح البخاري (١٨٨٧).
(٤). فتح الباري لابن رجب (٦/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>