للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى، ومحافظة الصغار والشباب على صلاة الجماعة، والتزامهم بحلقات التحفيظ، وكل هذه من المقاصد بخلاف الخطا التي هي من الوسائل، وعلى كل حال لا يقصد البعد إذا تيسر القرب من أجل الخُطَا، فمن وقع بيته بعيدًا عن المسجد، فاحتسب خُطَاه كان له بكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ترغيبًا له في تحصيل الجماعة؛ لأن البعد مظنة الترك، فإذا أحب النبي صلى الله عليه وسلم بقاء بني سلمة في أماكنهم لئلا تعرى المدينة، كانت آثارهم إلى المسجد مكتوبة تبعًا، لا قصدًا.

الدليل الثاني:

(ح-١٠٥٩) ما رواه مسلم من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي،

عن أُبَيِّ بن كعب، قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله (١).

وجه الاستدلال:

فهذا الصحابي قد تقصد المشقة، وكان بإمكانه تخفيف ذلك بشراء دابة تحمله، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم.

• ويجاب:

كون الرجل أبعد رجلًا إلى المسجد لا يعني أن بيته بعيد جدًّا، فالمدينة كلها على وقت النبي صلى الله عليه وسلم كانت حول المسجد، فالقرب والبعد نسبي، ولهذا كان التكليف بوجوب الجماعة على من سمع النداء، وهو حينئذٍ بلا مكبر، ووجوب السعي إليها بسماع الإقامة، وكان كثير من الصحابة يسمع الإقامة وهو في بيته وإذا كان هذا غالب المصلين لم يكن أبعد رجل منهم في حاجة شديدة إلى الركوب، ولهذا السبب كانت النصوص دائمًا تأتي بالمشي إلى الصلاة، وليس بالركوب إليها، لعلاقة المسافة بين المنادِي والمنادَى، وبين المصلي وموضع صلاته.


(١). صحيح مسلم (٦٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>