وإذا كان لا يشرع التعرض للرمضاء طلبًا للأجر، ولا قصد الظلمة في المشي إذا تيسرت الإضاءة، فكذلك إذا دعت حاجة إلى الركوب وتيسر فإنه لا يترك طلبًا للأجر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء ماشيًا وراكبًا؛ لأن الركوب إلى قباء حاجة، فلو كان المشي مقصودًا لفضله النبي صلى الله عليه وسلم على الركوب.
الجواب الثاني:
أن الصحابي رضي الله عنه لم يترك ركوب الحمار طلبًا للأجر، وإنما قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد ... فلو كان عند الصحابي رضي الله عنه دابة، ثم ترك ركوبها طلبًا للمشقة ليعظم الأجر لأمكن الاستدلال فيه على مسألتنا، فالوسائل التي يتوصل بها إلى العبادة لا يقصد المكلف الأشق منها مع إمكان تحصيل المقصود بلا مشقة، وإلا لقيل: يستحب الوضوء بالماء البارد مع وجود الماء الساخن، لفضل إسباغ الوضوء على المكاره، ولقيل: يستحب ترك وسائل التكييف إذا صام؛ ليزداد مشقة بسبب الحر، فيثاب عليها، فالمشقة ليست مصلحة حتى تكون مقصودة.
الجواب الثالث:
تفضيل المشي على الركوب يجعل المشي في نفسه عبادة مقصودة، والمشي في نفسه لا يشرف إلا لكونه يتوصل به إلى مطلوب، والأصل في المشي الإباحة فإن كان المشي إلى عبادة أثيب عليه؛ لا لكونه عبادة في نفسه، وإنما لشرف العبادة نفسها، وإن كان المشي إلى مباح كان مباحًا، أو إلى مكروه كان مكروهًا، وإن كان إلى محرم حرم تبعًا، ولا يتعبد بالمشي وحده؛ لأنه ليس عبادة، وإنما يتوصل به إلى غيره، فيأخذ حكم ما يتوصل به.
ولهذا ورد الثواب بمطلق الذهاب بصرف النظر عن الوسيلة.
(ح-١٠٦٠) فقد روى البخاري ومسلم من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله