للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكلام ليس بشيء، لأن السميع العليم صفة ذاتية لله، فهي عين الموصوف، فليست فاصلة بينهما، وكيف تكون فاصلة والجار والمجرور بعدها متعلق بالفعل أعوذ، ولولا أن بعض الحنفية ذكروه ما عرجت عليه.

وقيل: المختار أن يقول: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، اختاره بعض الحنفية، وبعض الحنفية خَيَّرَ بين هذه الصيغة والصيغة السابقة (١).

قال صاحب الهداية: «والأولى أن يقول: أستعيذ بالله؛ ليوافق القرآن، ويقرب منه: أعوذ بالله» (٢).

يقصد بالموافقة أن الآية جاءت بلفظ: (فاستعذ) بصيغة الأمر من الاستعاذة، (وأستعيذ) مضارعها، فيتوافقان لفظًا، بخلاف (أعوذ)، فإنه من العوذ، لا من الاستعاذة (٣).

ورده ابن الهمام، وغيره، فقالوا: بأن لفظ (استعذْ) أي اطلب العوذة، ومقتضى الامتثال (أعوذ)، أما قربه من لفظه فمهدر (٤).

ولا أرى حرجًا أن يقول المستعيذ: أستعيذ بالله: فإن المعنى أطلب منه أن يعيذني، فإن السين والتاء دالة على الطلب، فقوله: أستعيذ بالله: أي أطلب العياذ به، كما إذا قلت: أستخير الله: أي أطلب خيرته، وأستغفره: أي أطلب مغفرته، وأستقيله: أي أطلب إقالته، فإذا قال المأمور: أعوذ بالله: فقد امتثل ما طلب منه؛ لأنه طلب منه الالتجاء والاعتصام، وإذا قال: أستغفر الله، فإن المعنى: أطلب من الله أن يغفر لي، وإذا قال: أستعيذ بالله: أي أطلب منه أن يعيذني، والله أعلم (٥).

وقيل: الصفة المستحبة الجمع بين آية التعوذ للقراءة وآية التعوذ من نزغ الشيطان على خلاف بينهم في صيغة الجمع


(١). الهداية شرح البداية (١/ ٤٩)، البحر الرائق (١/ ٣٢٨)، النهر الفائق (١/ ٢٠٩)، مراقي الفلاح (ص: ٩٧)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٢٦٠)، بدائع الصنائع (١/ ٢٠٣)، العناية شرح الهداية (١/ ٢٩٠)، المحيط البرهاني (١/ ٣٥٧)، الجوهرة النيرة (١/ ٥١).
(٢). الهداية شرح البداية (١/ ٤٩).
(٣). انظر: البحر الرائق (١/ ٣٢٨).
(٤). فتح القدير لابن الهمام (١/ ٢٩١)، مجمع الأنهر (١/ ٩٠)، حاشية ابن عابدين (١/ ٤٨٩).
(٥). انظر التفسير القيم لابن القيم (ص: ٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>