فمن قال: الاستعاذة للقراءة، كانت مشروعة للإمام والمنفرد في هذا الموضع، وأما المأموم، فمن رأى أن الإمام يتحمل القراءة عنه، قال: لا يستعيذ: إما مطلقًا، أو لا يستعيذ في الجهرية مطلقًا؛ أو في الجهرية بشرط أن يسمع قراءة الإمام، فإن لم يسمعه لبعد أو لطرش تعوذ، وكلها أقوال قيل بها.
ومن قال: إن الإمام لا يتحمل القراءة عن المأموم مطلقًا، قال: يستعيذ في الصلاة السرية والجهرية كالإمام والمنفرد.
وسوف يأتينا حكم الاستعاذة في الصلاة الجهرية، وحكم قراءة الفاتحة للمأموم إن شاء الله تعالى.
* والدليل على أن الاستعاذة للقراءة:
أن الله أمر بها في كتابه عند إرادة القراءة، لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ}، [النحل: ٩٨].، فكان علة الأمر بالاستعاذة هو إرادة القراءة.
وكذلك ما جاء في السنة من أحاديث كحديث جبير بن مطعم وسبق تخريجه، وحديث أبي سعيد الخدري، وسبق تخريجه، وأثر عمر رضي الله عنه، وسبق تخريجه، وغيرها فإنها كلها متفقة على أن الاستعاذة بعد الافتتاح، وقبل القراءة، ولو كان التعوذ من أجل الصلاة لاستعاذ قبل الافتتاح؛ لأن الافتتاح جزء من الصلاة، ولأن من استعاذ مع ابتداء الصلاة دخلت القراءة تبعًا، بخلاف الاستعاذة عند القراءة، فظاهر أن المقصود بالاستعاذة هو القراءة، والله أعلم.
ومن قال: إن الاستعاذة من أجل الصلاة؛ لدفع وسوسة الشيطان، أو من أجلها ومن أجل القراءة، رأى أن المأموم يستعيذ، ولو كان لا يقرأ (١).
(١). بدائع الصنائع (١/ ٢٠٢، ٢٠٣)، العناية شرح الهداية (١/ ٢٩١)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ٦٨).