للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} وقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا}، وقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}، وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}، فكلما حصل زنا أو سرقة وجب إقامة الحد ما لم يكن التكرار قبل إقامة الحد (١).

فالقراءة هي علة الأمر بالاستعاذة، فمقتضاه تكرارها بتكرر القراءة، وهو مستند إلى تكرر العلة، لا إلى الأمر نفسه، كالحكم يتعدد بتعدد سببه (٢).

* وأجيب:

بأن تكرار الاستعاذة لتكرر القراءة غير مدفوع، إلا أن ترك النقل للتعوذ في الركعة الثانية يجعل قراءة الصلاة قراءة واحدة، فلم تتكرر القراءة حتى تتكرر الاستعاذة.

* ونوقش:

بأن عدم النقل ليس نقلًا للعدم، فلا يكون الدليل عدميًّا.

* ورد هذا النقاش:

بأن عدم النقل لشيء لو كان النبي صلى الله عليه وسلم فعله لتوفرت همم أكثر الصحابة على نقله؛ لحاجة الأمة إليه، فلما لم ينقله أحد منهم البتة، ولم ينقل أيضًا من فعل الصحابة مع حرصهم على نقل سنته، كان ذلك بمنزلة نقل العدم، فلو أن أحدًا رفع يديه في دعاء الاستفتاح، أو رفع يديه في دعاء التشهد احتجاجًا بالأدلة العامة في رفع اليدين في الدعاء، واستنادًا إلى أنه لم يرد نفي أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع اليدين في هذا الموطن لما كان ذلك صوابًا، فكذلك هنا، فإن الاحتجاج بالدليل العام {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}، مع ورود حديث أبي هريرة بأنه نهض للركعة الثانية، ولم يسكت، ولم يرد نقل يعارضه ولو ضعيفًا بأنه عليه السلام تعوذ لقراءة الركعة الثانية، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم تعوذوا كان ذلك بمنزلة نقل العدم، والله أعلم.

الدليل الثاني:

أن الركوع والسجود وأذكارهما تعتبر فاصلًا طويلًا، لكونها أفعالًا وأقوالًا أجنبية عن القراءة، وإذا حصل فاصل أجنبي بين القراءتين شرعت الاستعاذة للقراءة الثانية.


(١). الإبهاج في شرح المنهاج (١/ ٢/٥٤ - ٥٥).
(٢). انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٢/ ١٦١)، أصول السرخسي (١/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>