للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (في أول القراءة، ولا في آخرها) تفرد بذلك الأوزاعي، عن قتادة.

وجه الاستدلال:

دل الحديث بمنطوقه: أن الصلاة تفتتح بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الفاتحة: ٢]، ومفهومه: أنه لم يكن يفتتح الصلاة بالبسملة.

ورواية مسلم: (لم أسمع أحدًا منهم يقرأ) دليل على ترك القراءة، وليس على ترك الجهر.

وعلى التنزل أن يكون معنى الخبر في ترك الجهر، فإن ذلك دليل على أنها ليست من القرآن، فلو كان الجهر مختصًّا بالفاتحة لقيل البسملة من القرآن، وليست من الفاتحة، أما إذا كان الجهر لا يختص بالفاتحة، فيجهر المصلي بالقرآن كله بالصلاة الجهرية من غير فرق بين الفاتحة وغيرها، فإن عدم الجهر بالبسملة دليل على أنها خالفت حكم القرآن، وأن حكمها حكم الاستعاذة، والاستعاذة ليست من القرآن، والله أعلم.

* ويجاب:

بأن حديث: (لم أسمع أحدًا منهم يقرأ) دليل على نفي السماع المتعلق بالجهر، وليس نفيًا للقراءة، وبينهما فرق، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فالبحث في المسألة من حيث الصناعة الحديثية يجب أن يكون بمعزل من الفقه؛ لأن الفقه ليس معصومًا، فالحديث عندما يحمل على نفي الجهر فليس ذلك اعتمادًا على الفقه، بل رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة روياه عن وكيع، حدثنا عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بلفظ: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان فكانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} [الفاتحة: ١] (١).

وهذا الإسناد في غاية الصحة، ولم ينفرد وكيع عن شعبة بلفظ: (لا يجهرون)، وإن كان لا يضره لو تفرد به إمام مثل وكيع في الحفظ والإتقان، فقد تابعه على هذا


(١). رواه أحمد في المسند (٣/ ٢٧٥)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤١٤٤).
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٤٩٥) من طريق سلم بن جنادة القرشي،
ورواه الدارقطني (١٢٠١) من طريق يعقوب بن إبراهيم، ومن طريق سفيان بن وكيع، خمستهم عن وكيع به.

<<  <  ج: ص:  >  >>