للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الاستدلال:

الآية الكريمة أمرت بقراءة ما تيسر، والأمر مطلق، وما تيسر: عام في جميع ما تيسر، ومن ضرورته عدم توقف الجواز على قراءة الفاتحة؛ لأن الآية اقتضت التخيير في المفروض من القراءة.

والقول بفرض قراءة الفاتحة لحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) زيادة على نص الآية، ومسقط للتخيير الذي فيها، والزيادة على النص نسخ، والقول به يؤدي إلى نسخ القرآن بخبر الآحاد، وهو لا يجوز، إلا أنه يوجب العمل، فمطلق القراءة في الصلاة فرض بموجب الآية، وقراءة الفاتحة في الصلاة واجبة وليست بفرض، وتجبر بسجود السهو؛ لثبوتها بخبر الآحاد، فعملنا بهما على وجه لا يتغير به حكم الكتاب تفريقًا بين الفرض والواجب على أصول الحنفية، فالفرض: ما ثبت بدليل قطعي. والواجب: ما ثبت بدليل ظني (١).

* ويجاب عن استدلال الحنفية بأجوبة:

الجواب الأول:

لا نسلم أن الزيادة على النص نسخ؛ لأن الزيادة إن رفعت الحكم الشرعي كانت نسخًا، وإن لم ترفعه لم تكن نسخًا، فالأمر بقراءة الفاتحة لا يرفع حكم الأمر بقراءة ما يتيسر.

قال الشافعي: الزيادة على النص تخصيص (٢).

وجه ذلك: أن قوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] عام، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) خاص، وهو جار على تخصيص الكتاب بالسنة، قال الشنقيطي في أضواء البيان: تخصيص الكتاب بالسنة كثير، ونسبه العراقي في طرح التثريب لجمهور الأصوليين.

ومن أمثلة ذلك: تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} بقوله صلى الله عليه وسلم في السنة: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.


(١). انظر المبسوط (١/ ١٩)، تبيين الحقائق (١/ ١٠٥).
(٢). البحر المحيط في أصول الفقه (٥/ ١٩)، المنخول (ص: ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>