للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حدًّا، واختلف في أشياء كثيرة يستحق مرتكبها العقوبة، هل تسمى عقوبته حدًّا أو لا؟ وهي جحد العارية واللواط وإتيان البهيمة والسحاق وأكل الدم والميتة في حال الاختيار ولحم الخنزير، وكذا السحر والقذف بشرب الخمر وترك الصلاة تكاسلًا والفطر في رمضان والتعريض بالزنا، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في حديث الباب حق اللَّه، قال ابن دقيق العيد: بلغني أن بعض العصريين قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بالمقدرات المقدم ذكرها أمر اصطلاحي من الفقهاء، وأن عرف الشرع أول الأمر كان يطلق الحد على كل معصية كبرت أو صغرت، وتعقبه ابن دقيق العيد: أنه خروج عن الظاهر ويحتاج إلى نقل، والأصل عدمه؛ قال: ويرد عليه أنا إذا أجزنا في كل حق من حقوق اللَّه أن يزاد على العشر؛ لم يبق لنا شيء يختص المنع به؛ لأن ما عدا الحرمات التي لا يجوز فيها الزيادة هو ما ليس بمحرم، وأصل التعزير أنه لا يشرع فيما ليس بمحرم؛ فلا يبقى لخصوص الزيادة معنى.
قلت: والعصري المشار إليه أظنه ابن تيمية، وقد تقلد صاجه ابن القيم المقالة المذكورة؛ فقال: الصواب في الجواب: أن المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر اللَّه ونواهيه، وهي المراد بقوله: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩]، وفي أخرى: {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:١]، وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧]، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا} [النساء: ١٤] , قال: فلا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية؛ كتأديب الأب ولده الصغير.
قلت: ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي؛ فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وهو المستثنى في الأصل، وما لم يرد فيه تقدير؛ فإن كان كبيرة؛ جازت الزيادة فيه، وأطلق عليه اسم الحد؛ كما في الآيات المشار إليها، والتحق بالمستثى، وإن كان صغيرة؛ فهو المقصود بمنع الزيادة؛ فهذا يدفع إيراد الشيخ تقي الدين على العصري المذكور إن كان ذلك مراده، وقد أخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة بالتعزير بلفظ: "لا تعزروا فوق عشرة أسواط".
وقد اختلف السلف في مدلول هذا الحديث؛ فأخذ بظاهره الليث وأحمد في =