وعن عمر: أنه كتب إلى أبي موسى: "لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين"، وعن عثمان: "ثلاثين"، وعن عمر: أنه بلغ بالسوط مئة، وكذا عن ابن مسعود وعن مالك وأبي ثور وعطاء: لا يعزر إلا عن تكرر منه، ومن وقع منه مرة واحدة معصية لا حد فيها؛ فلا يعزر. وعن أبي حنيفة: لا يبلغ أربعين. وعن ابن أبي ليلى وأبي يوسف: لا يزاد على خمس وتسعين جلدة. وفي رواية عن مالك وأبي يوسف: لا يبلغ ثمانين. وأجابوا عن الحديث بأجوبة، منها ما تقدم، ومنها قصره على الجلد، وأما الضرب بالعصا مثلًا وباليد؛ فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية، وكأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب، ومنها أنه منسوخ، دل على نسخه إجماع الصحابة، ورد بأنه قال به بعض التابعين، وهو قول الليث بن سعد أحد فقهاء الأمصار، ومنها معارضة الحديث بما هو أقوى منه، وهو الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر فما دونها؛ فيصبر مثل الحد، وبالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإِمام فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف، لا من حيث العدد؛ لأن التعزير شرع المردع، ففي الناس من يردعه الكلام، ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد؛ فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه، وتعقب بأن الحد لا يزاد فيه ولا ينقص؛ فاختلفا, وبأن التخفيف والتشديد مسلم، لكن مع مراعاة العدد المذكور، وبأن الردع لا يراعى في الإفراد، بدليل أن من الناس من لا يردعه الحد، ومع ذلك؛ لا يجمع عندهم بين الحد والتعزير، فلو نظر إلى كل فرد؛ لقيل بالزيادة على الحد أو الجمع بين الحد والتعزير، ونقل القرطبي أن الجمهور قالوا: بما دل عليه حديث الباب، وعكسه النووي، وهو المعتمد، فإنه لا يعرف القول به عن أحدٍ من الصحابة".