للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عينه؛ فهذا من نعم اللَّه عليه، والإنسان إذا فعل الطاعة مع المشقة؛ يعطى على أجر النَّصَب، ولا شك من جهة الكمال والمرتبة والمقام أن الذي يفعلها وهو منقاد لها منشرح بها صدره أفضل، وتتضح المفاضلة في مسألة الجماعة؛ الرجل الذي إذا أذن قام وهو منشرح الصدر مطمئن القلب راغب في ما عند اللَّه وذهب يصلي، والثاني يذهب إلى الجماعة بمشقة وهو يعالج نفسه؛ فلا شك أن الأول أكمل حالًا من الثاني؛ لأن كونه ينطبع على العبادة حتى تكون راحة قلبه وطمأنيته، هذا أعلى مقام، ولهذا قال رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، أما الثاني؛ فإنه يؤجر على أصل العمل، لكنه عمل ناقص في حد ذاته، ويؤجر أجرًا آخر على الجهاد والمشقة لإرغام النفس على فعل الطاعة.
فالأول -كما قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه- من أرباب المقام والمنازل، والثاني من أرباب السلوك والجهاد؛ فالأول بلا شك أكمل حالًا، والثاني أكثر مشقة، فيؤجر على المشقة، ولكن منزلته في العبادة دون الأول، ولهذا كان الصحابة رضي اللَّه عنهم عملهم أفضل من غيرهم، "لو أن أحدكم أنفق مل أحُد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، لكن في أيام الصبر للعامل أجر خمسين من الصحابة؛ لأنه يكابد العمل ويشق عليه، لكن الأولون أكمل حالًا، هذا هو التفصيل في هذه المسألة.
والمجاهد قد يصل إلى المرتبة الأولى، وترتاض نفسه على الطاعة، ويطمئن إليها وينشرح لها صدره، وقد لا يصل إلى هذا، قد يبقى دائمًا في جهاد، وربما تكون هناك عوائق أيضًا، لأنه ما دامت النفس غير منساقة إلى العمل؛ ربما يكون له عوائق أيضًا، مع المجاهدة يمل ويتعب. (ع).
قلت: حديث "وجعلت قرة عينى. . . " أخرجه أحمد في "المسند" (٣/ ١٢٨، ١٩٩، ٢٨٥)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٨/ ٣٩)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، ٧/ ٦١)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٦٠)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (١/ ٣٣١، ٣٣٢/ رقم ٣٢٢ و ٣٢٣)، وأبو يعلى في "المسند" (٦/ ١٩٩ - ٢٠٠، ٢٣٧/ رقم ٣٤٨٢ و ٣٥٣٠)، والبيهقي في "السنن =