(٢) الناظر الى النص "لا يمنعن جار جاره" يبدو له أنه لا بد من إذنه، لأنه يقول: "لا يمنعن"، فلو لم يكن له إذن، لقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- "وللجار أن يضع خشبة على جدار جاره"، والأصح أنه يجبر؛ لأنه إذا منع قد يكون له عذر، فإذا قلنا بسقوط إذنه؛ لقلنا: إن الجار يضع الخشبة بدون إنذار، وهذا قد يكون فيه ضرر ونزاع كبير وعداوة دائمة وفتنة، فإذا جاء الإجبار من قبل الحاكم؛ زالت هذه المحاذير. (ع). قلت: يتأيَّد هذا الترجيح بما ورد أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العُرَيض، فاراد أن يمُرَّ في أرض محمد بن سلمة، فأبى محمد، فقال الضحاك: لِمَ تمنعي وهو لك منفعة تشرب منه أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم الضحاكُ عمرَ بن الخطاب، فدعا عمرُ محمد بن سلمة، فأمره أن يخلِّي سبيله، فقال: لا. فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟ فقال محمد ابن مسلمة: لا واللَّه. فقال عمر رضي اللَّه عنه: واللَّه؛ ليمرن به ولو على بطنك. فأمر عمرُ أن يمر به؛ ففعل الضحاك. أخرجه مالك في "الموطأ" (٧٤٦ - رواية يحيى، ورقم ٢٨٩٧ - رواية أبي مصعب، و ٣٥٨ - رواية محمد بن الحسن) -ومن طريقه الشافعي في "المسند" (٢/ ١٣٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ١٥٧)، و"معرفة السنن والآثار" (٩/ رقم ١٢٢٦٤) -، ويحيى ابن آدم في "الخراج" (رقم ٣٥٣)؛ من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه. وشك فيه يحيى؛ فقال: "أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، وإسناده رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل كما قال البيهقي. وله طريق أخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار" (٢٢/ ٢٢٩/ رقم ٣٢٥٤٤)، ثم ظفرتُ بها في "الخراج" ليحيى بن آدم (رقم ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٠)، وهو مرسل أيضًا، أفاده البيهقي، ويتقوى بالمرسل الأول.