فدخلْتُ حجْرَتي، ولي نَفَسٌ عالٍ، ولحِقَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"ما هذا النَّفَسُ يا عائشة؟ ".
فقلتُ: بأبي وأمي! أتَيْتَني فوضَعْتَ عنكَ ثوبيك، ثُمَّ لَمْ تَسْتَتِمْ أن قُمْتَ فلبستَهما، فأخَذتْني غيرَةٌ شديدةٌ ظننْتُ أنَّك تأتي بعضَ صُوَيْحِباتي، حتى رأيْتُك بـ (البقيع) تصْنعُ ما تصنَعُ. فقال:
"يا عائشة! أكنْتِ تخافينَ أنْ يحيفَ الله عليك ورسولُه؟! أتاني جبريلُ عليه السلامُ فقال: هذه ليلةُ النصفِ من شعبانَ، ولله فيها عُتقاءُ مِنَ النار؛ بعدَدِ شعورِ غَنَمِ كَلْبٍ (١)، لا ينظُر الله فيها إلى مُشرِكٍ، ولا مشاحِنٍ، ولا إلى قاطع رَحِمٍ، ولا إلى مُسْبِلٍ، ولا إلى عاقٍّ لوالديه، ولا إلى مُدْمِنِ خمْرٍ".
قالت: ثُمَّ وضَع عنه ثَوْبَيْه فقال لي:
"يا عائشةُ! تَأذَنين لي في قيامِ هذه اللَّيْلَةِ؟ ".
قلتُ: نعم بأبي وأمِّي! فقامَ فسجَد ليلًا طويلًا، حتى ظَنَنْتُ أنَّه قد قُبِضَ، فقمْتُ ألْتَمِسُه، ووضعتُ يدي على باطِنِ قدميه، فَتَحرَّكَ، فَفَرِحْتُ، وسمعتُه يقولُ في سجودِه:
"أعوذ بعَفْوِكَ مِنْ عِقابِكَ، وأعوذُ بِرضاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعوذُ بِك منْكَ، جلَّ وجْهُكَ، لا أُحْصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ". فلمّا أصْبَح ذكَرْتُهْنَّ له، فقال:
"يا عائشة! تَعلَّميهِنَّ".
فقلتُ: نعم. فقال:
"تعلَّميهِنَّ وعلِّميهِنَّ؛ فإنَّ جبريلَ عليه السلامُ علَّمَنيهِنَّ، وأمَرني أَنْ
(١) أي: قبيلة (كَلْب) وهي من قبائل اليمن، وإليها ينسب (دحية الكلبي) رضي الله عنه.