(النهي عن النذر) إنما هو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ كان بالنهي يصير معصيةً، فلا يلزم الوفاء به، وإنما وجه الحديث: أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنهم ضرًا، ولا يرد قضاءً، فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدره الله لكم، أو يصرف به عنكم ما جرى به القضاء عليكم، فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم.
١٥٢٦ - * روى الطيراني عن ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وأمر بالوفاء به.
وفي أصل النذر قالت المذاهب الأربعة ما يلي:
الحنابلة- قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لم يأت بخير""وإنما يستخرج به من البخيل"، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئًا جديدًا ولا يرفع واقعًا، فإذا وقع منه وجب الوفاء به ... [على تفصيل].
المالكية- قالوا: النذر المطلق مندوب، وهو ما أوجبه على نفسه شكرًا لله تعالى على ما حصل ووقع فعلا من نعمة أو دفع نقمة، كمن نجاه الله من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالًا أو علمًا فنذر لله قربة يفعلها شكرًا، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق: وهو أن ينذر قربة معلقا على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وإلا كان محرمًا والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، إنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به، وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خوف وكذا إذا نذر نذرا مكروها كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما
١٥٢٦ - مجمع الزوائد (٤/ ١٨٥) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.