للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (١) فمن أخبر الله أنه لا يخزيه يوم القيامة، وقد شهد له بإتباع ملة إبراهيم حنيفاً، لا يجوز أن يجرح بالكذب، لأنه يستحيل أن يقول الله -جل وعلا-: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} ثم يقول النبي (٢) صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". فيطلق النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب النار لمن أخبر الله -جل وعلا- أنه لا يخزيه في القيامة، بل الخطاب وقع على من بعد الصحابة، وأما من شهد التنزيل، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان، والتنقيص لأحدهم نفس النفاق، لأنهم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحكم من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى صلى الله عليه وسلم.

وإن من تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيداعهم ما ولاه الله بيانه للناس، لبالحري من أن لا يجرح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، إلا وهم عنده صادقون جائزو الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك، لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه لأنه لو كان كذلك، لكان فيه قدح في الرسالة. وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً، وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك، لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده، يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقاً، أو مبتدعاً ضالاً ينقص من الخبر أو يزيد فيه، ليضل به العالم من الناس، فمن أجله فرقنا بينهم وبين الصحابة، إذ صان الله -عز وجل- أقدار الصحابة عند البدع والضلال. جمعنا الله وإياهم في مستقر رحمته ا. هـ.

وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في الكفاية:

كل حديث اتصل إسناده بين من رواه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عدالة الصحابة ثابتة، معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.


(١) التحريم: ٨.
(٢) مسلم (١/ ١٠) - المقدمة- ٢ - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>