للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر، أو أربت عليها، في من الكبائر، فمن شتم الرب أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو استهان بالرسل أو كذب واحدًا منهم ... أو ألقى المصحف في القاذورات فهذا من أكبر الكبائر، ولم يصرح الشرع بأنها كبيرة. وكذلك لو أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها، أو مسلمًا لمن يقتله، فلا شك أن مفسدة ذلك أعظم من مفسدة أكل مال اليتيم مع كونه من الكبائر. وكذلك لو دل الكفار على عورة المسلمين مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته، ويسبون حرمهم وأطفالهم ويغتنمون أموالم ويزنون بنسائهم ويخربون ديارهم، فإن تسببه إلى هذه المفاسد أعظم من توليه يوم الزحف بغير عذر مع كونه من الكبائر. وقد نص الشارع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر، فإن وقعا في مال خطير فهذا ظاهر، وإن وقعا في مال حقير، فيجوز أن يجعل من الكبائر فطالما عن هذه المفاسد، كما جعل شرب قطرة من الخمر من جملة الكبائر، وإن لم يتحقق المفسدة فيه ... والوقوف على تساوي المفاسد وتفاوت عزة ولا يهتدي إليها إلا من وفقه الله تعالى، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب ثم قال: وقد ضبط بعض العلماء الكبائر بأن قال: كل ذنب قرن ب وعيد أو حد أو لعن فو من الكبائر ... فقتل المؤمن كبيرة، لأنه اقترن به الوعيد واللعن. والمحاربة والزنا والسرقة والقذف كبائر، لاقتران الحدود بها. وعلى هذا كل ذنب علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به الوعيد أو اللعن أو الحد، أو أكبر من مفسدته فهو كبيرة ا. هـ (١).

وللغزالي اتجاه في أن بعض الصغائر تصبح كبائر بملابستها لمعان كالتهاون بها والاستمرار عليها دون مبالاة، كل هذا جعل العلماء يحاولون بناء على القياس والموازنات أن يكتبوا في الكبائر مضيفين إلى المنصوص عليه ما كان من أمثاله في الفحش من خلال استقراء واسع لنصوص الشريعة، وممن كتب في الكبائر فخصها بالتأليف: الذهبي في كتابه: "الكبائر" فذكر سبعين كبيرة، وابن حجر الهيثمي في كتابه: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وقد أوصلها إلى أربعمائة وسبع وستين كبيرة، منها ما هو محل إجماع بين العلماء، ومنها ما هو متردد بين كونه صغيرة أو كبيرة، ومنها ما أصبح ذنبًا بحيثياته، والمسلم إذا عرف الطاعات


(١) قواعد الأحكام جـ ١ ص ٢٣ - ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>