للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بل إن فعل يكون آثما ولا يعتبر عذره بحال].

ففي هذه الصور وأشباهها يكون العمل الذي فيه مشقة غير معتادة مطلوباً.

ويلاحظ في هذه الصور أن المشقة ليست مقصودة لذاتها، فليست المشقة في ذاتها أمراً يتعبد به، أن تعذيب الجسم، لتطهير الروح ليس من مقاصد الإسلام، إنما المشقة غير المعتادة تطلب، لأنها تكون دفعاً لضرر أشد، أو جلباً لنفع أسمى. فهي تكون تحقيقاً لمقصد من المقاصد الإسلامية العليا، على أنها وسيلة متعينة له، وليست مقصودة لذاتها.

واليسر هو الأصل في الشريعة الإسلامية، ولذلك تقول السيدة عائشة رضي عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لك يكن إثماً.

لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يصوم قائماً في الشمس أن يستمر قائماً في الشمس وآمره أن يتم صومه وقال عليه السلام "هؤلاء المتنطعون" وبذلك يكون أمره بما هو طاعة في ذاته وهو الصيام، ونهاه عما ليس طاعة وهو القيام في الشمس، وذلك النهي تقرر أن القيام صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه" ولقد روي أن بعض الصحابة أخذ نفسه بقيام الليل وصوم النهار، وبعضهم أخذ نفسه باعتزال النساء، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعاً، فقال عليه السلام "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعاً، فقال عليه السلام "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم الله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على ألا يلتزم الشخص عبادات ليست فرضاً، ولا يطيق الاستمرار عليه، وكان يجب العبادة الدائمة التي لا صعوبة فيها على العبادة الشاقة التي لا يمكن الاستمرار عليها، ولذا كان يقوم صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (١).

وكان يقول: "إن الله يحب الديمة من الأعمال" وكان يقول صلى الله عليه وسلم "لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، ولكن سددوا وقاربوا". ا. هـ. كلام أبي زهرة.


(١) أخرجه الشيخان.

<<  <  ج: ص:  >  >>