الْهَمِّ وَحَمْلُ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالْمُتَبَايِنُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالدَّفْعِ لَهُ الْأَوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ مِنْ جِهَةٍ مَيْئُوسٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ رِزْقٍ لِمَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ ذَهَبَ عَنْ الْمَوْتَى لِذَهَابِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ، وَالْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ كَالْبَحْرِ هُوَ السُّلْطَانُ حَقِيقَةً وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ سَعَةِ الْعِلْمِ مَجَازًا، وَالْعُمُومُ كَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ كُلَّهَا سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ أَقَارِبُهُ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا يَمُوتُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَكَالرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّائِي لِشَخْصٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ يُشْبِهُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ، أَوْ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَبِي حَنِيفَةَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صِفَةِ الْفِقْهِ وَعَبَّرْنَا عَنْ زَيْدٍ بِزُهَيْرٍ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الشَّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُثُلِ وَالْقَلْبِ كَمَا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ رَوَاسَا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُلْكَ فَعَبَّرَ لَهُمْ بِأَنَّ شَاوَرَ يَأْخُذُهُ وَكَانَ كَذَلِكَ وَقَلَبَ رواس شَاوَرَ وَجَمْعُ هَذَا الْمِثَالِ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالتَّصْحِيفِ فَإِنَّ السِّينَ الْمُهْمَلَةَ صُحِّفَتْ بِالْمُعْجَمَةِ الَّتِي هِيَ الشِّينُ وَرَأَى مَلِكُ الْعَرَبِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ عُذْرٍ فَقِيلَ: لَهُ أَنْتَ تَقْصِدُ النَّكْثَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَحَذِرْت مِنْ ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ غَدْرٍ فَدَخَلَهُ التَّصْحِيفُ فَقَطْ وَبَسْطُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ وَإِنَّمَا قَصَدْت التَّنْبِيهَ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ كَالْأَلْفَاظِ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي أَحْوَالِهَا (تَنْبِيهٌ)
اعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَنَامَاتِ قَدْ اتَّسَعَتْ تَقْيِيدَاتُهُ وَتَشَعَّبَتْ تَخْصِيصَاتُهُ وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُهُ بِحَيْثُ صَارَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصَاتِ بِأَحْوَالِ الرَّائِينَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالتَّحَدُّثِ فِي الْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ فَإِنَّ ضَوَابِطَهَا إمَّا مَحْصُورَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَصْرِ وَعِلْمُ الْمَنَامَاتِ مُنْتَشِرٌ انْتِشَارًا شَدِيدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ فَلَا جَرَمَ احْتَاجَ النَّاظِرُ فِيهِ مَعَ ضَوَابِطِهِ وَقَرَائِنِهِ إلَى قُوَّةٍ مِنْ قُوَى النُّفُوسِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفِرَاسَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ بِحَيْثُ إذَا تَوَجَّهَ الْحَزْرُ إلَى شَيْءٍ لَا يَكَادُ يُخْطِئُ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَقْرِيبِ الْغَيْبِ أَوْ تَحَقُّقِهِ كَمَا قِيلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْغَيْبِ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ إشَارَةً إلَى قُوَّةٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ إيَّاهَا فَرَأَى بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّفَاءِ وَالشُّفُوفِ وَالرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ.
وَقَدْ يَهَبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا، وَالسَّخَطُ وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ حَرَامٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِأَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِجِهَةِ رَبِّنَا إلَّا بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا نَتَعَرَّضَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا سَاخِطًا لِقَضَائِهِ - تَعَالَى -: أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت حَتَّى أَصَابَنِي مِثْلُ هَذَا وَمَا ذَنْبِي وَمَا كُنْت أَسْتَأْهِلُ هَذَا وَفِي الزَّوَاجِرِ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ «مَنْ سَخِطَ رِزْقَهُ وَبَثَّ شَكْوَاهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصْعَدْ لَهُ إلَى اللَّهِ عَمَلٌ وَلَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . اهـ.
وَأَمَّا الْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ فَهُوَ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَلَيْسَ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا هُوَ زَعْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ حَتَّى بَعَثَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً فَهُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ بَلْ هُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ الرِّضَا بِهِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْوَاجِبَاتِ إذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا كَمَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا كَمَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ نَعَمْ الرِّضَا بِالْكُفْرِ لَا يَكُونُ كُفْرًا كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِهِ، وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ الْكَافِرِ عِنَادًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَادَةً أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ عَادَةً فَلَا عَلَى أَنَّ جَوَازَ الْكُفْرِ عِنَادٌ عَادَةً مِنْ الْبَعِيدِ الْمُشَبَّهِ بِالْمُحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُفْرَ عِنَادًا إلَّا لِحَامِلٍ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ وَيُرَجِّحُهُ عِنْدَهُ، وَكَرَاهِيَتُهُ إيَّاهُ مَعَ رُجْحَانِهِ عَادَةً كَالْمُتَنَاقَضِينَ، وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ الْمَعْصِيَةِ فَهِيَ مُمْكِنَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاصٍ عَالِمٌ بِعِصْيَانِهِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْوِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتِ الْحَوَادِثِ فَإِنَّا مَا أُمِرْنَا بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا؛ إذْ هُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِ الْمُكَلَّفِ، وَالشَّرِيعَةُ لَمْ تَرِدْ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ فَالْأَرْمَدُ مَثَلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ، وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦] فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا، وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ، وَأَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَلَا مُتَعَذِّرٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا يَأْلَمُونَ مِنْ الْمَقْضِيِّ فَقَطْ.
وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالتَّجْوِيرِ، وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ فَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِنْ الْفُجَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute