فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَلَا يَجُوزُ كَالِاعْتِمَادِ عَلَى النُّجُومِ وَعَلَى عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْفَأْلِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْخَلْقِ عَلَى الْأَنْسَابِ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَعِيدِ وَمَعَ طُولِ الْأَيَّامِ يُولَدُ لِلشَّخْصِ مَنْ لَا يُشْبِهُهُمَا فِي خَلْقٍ وَلَا فِي خُلُقٍ وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي أَنْكَرَ وَلَدَهُ مِنْ لَوْنِهِ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ بِيضٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الْأَوْرَقُ قَالَ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ» يُشِيرُ إلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَجْدَادِ وَأَجْدَادِ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ قَدْ تَظْهَرُ فِي الْأَبْنَاءِ فَيَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ غَيْرَ أَبَوَيْهِ وَقَدْ يَأْتِي يُشْبِهُ أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْوَاطِئَ الزَّانِي بِأُمِّهِ كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ أَوْ جَدًّا مِنْ أَجْدَادِهِ أَوْ خَالًا مِنْ أَخْوَالِهِ يُشْبِهُ أَبَاهُ الَّذِي أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ وَلَيْسَ بَابٌ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِذَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الْبَعِيدِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِمَا فِي مُسْلِمٍ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤْسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» فَقَالَ أَبُو دَاوُد كَانَ أُسَامَةُ شَدِيدَ السَّوَادِ وَأَبُوهُ شَدِيدَ الْبَيَاضِ فَطَعَنَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ فَسُرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعِلْمِهِ بِتَرْكِ الطَّعْنِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسَرُّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ فَتَكُونُ الْقِيَافَةُ حَقًّا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. أَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ سُرَّ لِكَوْنِ الْقِيَافَةِ حَقًّا بَلْ جَازَ أَنْ يُسَرَّ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَالْحُجَّةُ قَدْ تَقُومُ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَقَدْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ الْحَقَّ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِمَا شَاءَ فَإِخْمَالُ الْبَاطِلِ وَدَحْضُهُ يُوجِبُ السُّرُورَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ
(الثَّانِي) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِوُجُودِهِ آيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا بَلْ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَلِمَ لَا يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ. أَجَابَ الْفُقَهَاءُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْمَشْهُورِ «لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِوَاسِطَةِ الْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ لَمْ يَخْلُ عَنْ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّ التَّكْلِيفَ كَمَا يُفَسَّرُ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا يَشْمَلُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ كَذَلِكَ يُفَسَّرُ بِالطَّلَبِ فَيَشْمَلُهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ كَأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنْ الشَّارِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ أَمْرٌ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهَا وَعَدَّهَا فِي أَحْكَامِهِ إمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا لِأَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا مُبَاحَةٌ إذْ الْمُبَاحَةُ مَا لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ. اهـ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَهُمْ أَخُو الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَجَدُّ الْأُمِّ وَبَنُو الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ وَإِخْوَةُ الْأَبِ) وَهُوَ أَنَّ الْوَلَاءَ شُرِعَ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ كَذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَكُونُ لَهُ نَسَبٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْحِكْمَةُ لِمُحَافَظَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي نَظَرِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِكْفَاءِ وَرَدِّهِ الْعَارَ عَنْ النَّسَبِ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الِابْنِ فَقَالَ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالِابْنُ لَا يُسَمَّى مَوْلًى
(وَثَانِيهَا) أَنَّهُ يُدْلِي بِهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا كَتَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا أَدْلَى بِهَا صَارَ فِي مَعْنَاهَا
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ شَخْصٌ لَا تَصِحُّ مِنْ أَبِيهِ الْوِلَايَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَابْنِ الْخَالِ مَعَ الْخَالِ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوهِ أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَبِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا رُوِيَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا كَذَلِكَ رُوِيَ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» وَالِابْنُ وَلِيُّ أُمِّهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقُرْبِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ السَّيِّدِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَمَّى الِابْنُ مَوْلًى بَلْ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ