زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا إلَّا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ لَا فِي مَوْضِعِ تَقْدِيرٍ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ كَيْفَ كَانَ يُعْتَبَرُ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا نُثْبِتُ بِهَا الْأَحْكَامَ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَّلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرِكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَمَّا جَعَلَ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ مُدْرِكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا التَّرْجِيحُ فَكَذَا هَاهُنَا أَصْلُ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْمَخْصُوصَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرْجِيحُ.
وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَطُولِ الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ عَدَدٍ سَعَى الْآخَرُ فِي زِيَادَةِ عَدَدِ بَيِّنَتِهِ، وَتَطُولُ الْخُصُومَةُ، وَتُعَطَّلُ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيِّنَتَهُ أَعْدَلَ فَلَا يَطُولُ النِّزَاعُ، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يُعَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِخِلَافِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ، وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ فَعُدُولُ زَمَانِنَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَلْبَتَّةَ مَعَ أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ قَدْ مَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الصَّغِيرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ)
قُلْت مَا قَالَهُ وَنَقَلَهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ فِي ضَبْطِ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَنَى عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فَهِمْنَا مِنْهُ مُرَاعَاةَ الْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْفَرْقُ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ لِجَهْلِنَا ذَلِكَ وَعَدَمِ وُصُولِنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا الضَّابِطُ لِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الشَّارِعَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ بَيَانَ حُكْمِ حَالَتَيْ الْبَعْضِ الشَّائِعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ ثُلُثٌ أَوْ دُونَهُ فَلِذَا عَوَّلْت عَلَيْهِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ لَا عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ) وَهُوَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، وَأَهْلِهِ يَنْقَسِمُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ إجْمَالًا وَأَرْبَعَةً تَفْصِيلًا: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا. (الثَّانِي) أَنْ يَخَافَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَيْ بِأَنْ يَشُكَّ فَيُكْرَهُ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ أَمْ لَا فَإِنْ خَافَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَالتَّرْكُ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ اهـ.
بِاخْتِصَارٍ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق يَعْنِي أَنَّ التَّرْكَ لِغَيْرِ مَا لَهُ بَالٌ أَفْضَلُ مِنْ الِالْتِقَاطِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْكَرَاهَةَ أَيْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا بِقَوْلِهِ الْخِيَانَةَ فِيمَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةً عَلَى الْأَحْسَنِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَيْهِ، وَتَرَكَهُ نَفْسُهُ أَيْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِحُرْمَةِ الْتِقَاطِهَا، وَفِيمَا إذَا شَكَّ فِيهَا أَنَّهُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِكَرَاهَتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ الْحَطَّابُ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ، وَأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا عَدَاهُ فَيَحْرُمُ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ جَزْمًا فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِيَانَةِ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الِالْتِقَاطِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْحَطَّابُ فَفِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ تَيَقُّنُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَخَوْفُ الْخَوَنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا، وَلَا يَكُونُ عِلْمُ