للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَتْحُ أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَالْيَوْمَ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ أَوْ نَقُولُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً لَيْسَ هَذَا بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِيهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ بَلْ هَذِهِ شَهَادَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ فُلَانٌ أَخَذَ مَالَهُ غَصْبًا أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فُتْيَا بَلْ شَهَادَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ إمَامٍ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمٍ بِسَبَبٍ اُتُّبِعَ فِيهِ، وَكَانَ فُتْيَا وَمَذْهَبًا أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ، وَالْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ.

وَالشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ إنْ اُتُّفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ بَلْ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذَا طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ بِهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلِّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ أَنَا جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةٌ، وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بِقَوْلِهِ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (أَوْ نَقُولُ قَوْلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً هَذَا لَيْسَ بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ)

قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَهَادَةٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا إشْعَارَ فِيهِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ قَالَ (وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةً) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنَّ الْعَارِيَّةَ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا، وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ]

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ)

وَهُوَ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ إمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي أَعْيَانٍ فَقَطْ، وَهُوَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ الصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهُ مُوَضَّحَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ فَقَطْ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَلَهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا إحْسَانٌ، وَهُوَ الْهِبَةُ، وَلَهَا شُرُوطَ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهَكَذَا وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى دَعْوَى اهـ قَالَ كنون أَيْ ثَابِتَةٍ أَمْ لَا اهـ.

فَالدَّعْوَى الثَّابِتَةُ كَانَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِسُكُوتٍ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعًا مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ هِبَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ أَعْيَانًا فَغَيْرُهُ الْمُصَالَحُ بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَيَكُونُ إجَارَةً، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ مَنَافِعَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ إجَارَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عِوَضِ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ عَيْنٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بِغَيْرِهِ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَبِبَعْضِهِ هِبَةٌ، وَالدَّعْوَى الْغَيْرُ الثَّابِتَةِ، لَا تَكُونُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ حَيْثُ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ قَالَ الْبُنَانِيُّ يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ مَا جَرَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا مِنْ كَوْنِهِ إمَّا هِبَةً وَإِمَّا بَيْعًا، وَإِمَّا صَرْفًا وَإِمَّا إجَارَةً إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ تَنْفَرِدُ عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ.

بِزِيَادَةٍ قَدْ سَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>