الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُلْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّتِهَا وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِبُطْلَانِهَا فَنَحْنُ نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ فَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ حَاصِلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ جَنَى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الدَّارِ فَالنَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ وَالْحَنَابِلَةُ مَشَوْا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ وَالْمُدْرَكُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلطَّهَارَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْخُفِّ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ مُخَاطَبٌ فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ بِهِ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ مَعَ حَقِيقَةِ النَّهْيِ فَكَانَ النَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ، وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأُمُورٍ وَعِبَارَاتٍ لَيْسَ فِيهَا إبَانَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ مِنْ وُجُودِ كَمَالِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْغَاصِبِ وَعَدَمُ وُجُودِهَا فِي الْمُحْرِمِ فَفِي صُورَةِ الْغَاصِبِ نَهْيٌ عَنْ مُجَاوِرٍ وَفِي صُورَةِ الْمُحْرِمِ عَدَمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بِالْمَأْمُورِ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاصٍ بِاللُّبْسِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الَّذِي يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ يَحُجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَالْعِلَّةُ وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ مُجَاوِرًا وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَكُونُ السُّتْرَةُ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِعَيْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ نَفَقَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ.
قَالَ لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَمْ يَزِدْ عَلَى حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ وَمُسْتَنِدِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَى مُنْتَهَى الْمَسْأَلَةِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْوَقْتِ فَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي بَقِيَّةِ الْقَامَةِ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مُؤَاخَذَةٌ وَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا إلَّا بَعْدَ الْقَامَةِ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا آثِمًا وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ إذَا صَلَّى فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ الْقَامَةِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى إلَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ هُوَ إنَّمَا قَالَ أَنَّهُ قَضَاءٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ)
وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ يَجِبُ مُوَسَّعًا مِنْ شَوَّالٍ إلَى آخِرِ شَعْبَانَ مِنْ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ شَرْطُهُ أَنْ يُمْكِنَ فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ لَوْ أَوْقَعَتْهُ زَمَنَ الْحَيْضِ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ إذَا فَعَلَتْ فَمُرَادُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَكُلِّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا أَنَّ الْحَائِضَ مُكَلَّفَةٌ زَمَنَ الْحَيْضِ بِالتَّعْوِيضِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَكْلِيفَهَا بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بَلْ فِي أَيَّامِ التَّعْوِيضِ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مُكَلَّفًا بِجُمْلَةِ عِبَادَةٍ مُتَرَتِّبَةِ الْأَجْزَاءِ بَلْ بِكُلِّ جُزْءٍ فِي زَمَنِهِ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ.
وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ أَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَظَهَرَ لُزُومُ تَقَدُّمِ زَمَنِ التَّكْلِيفِ عَلَى زَمَنِ الْإِيقَاعِ فِي الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَرَتِّبَةِ وَمِنْهُ تَظْهَرُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَرَتُّبِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَبُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ تَرَتُّبِهَا فِي الذِّمَمِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَحْنَافِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ.
وَثَالِثُهَا: الْقَضَاءُ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ