للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَكَوِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ أَجْرِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكَّى، وَإِنْ كَانَ مُتَمَوَّلًا نَشَأَ عَنْ مُتَمَوَّلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ زَكَوِيٍّ - أَعْنِي الْأَصْلَ - وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ مَتَى أَثْبَتَ حُكْمًا حَالَةَ عَدَمِ سَبَبِهِ، أَوْ شَرْطِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُمَا مَعَهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ إثْبَاتِهِ دُونَهُمَا فَإِنَّ إثْبَاتَ الْمُسَبَّبِ دُونَ سَبَبِهِ وَالْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ وَامْتَنَعَ التَّقْدِيرُ عُدَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ.

وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ، قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكَوِيٍّ أَعْنِي الْأَصْلَ ") قُلْت: مَسْأَلَةُ الْمَالِكِيَّةِ الْقِيَاسُ عَلَى السِّخَالِ كَمَا ذُكِرَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فُرُوقٌ فِيهَا نَظَرٌ قَالَ (وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ عُدَّ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ) .

قُلْت: فِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ قَالَ (كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا) قُلْت لَيْسَ مِلْكُ الْمَقْتُولِ خَطَأً لِلدِّيَةِ مُقَدَّرًا عِنْدِي بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ، وَإِنَّمَا الْمُقَدَّرُ مِلْكُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لِلدِّيَةِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْفَائِدَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ أَنَّ نِصَابَ الْحَوْلَيْنِ يَتِمُّ بِرِبْحِهِ، وَإِنَّمَا سَلَّمَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سِلْعَةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَنْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ يَصِحُّ قِيَاسُنَا عَلَيْهِ وَلَا يُخِلُّ بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ اخْتِلَافُ حُكْمِ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا أَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا كَانَ حُكْمُ الْفَائِدَةِ فِي الْحَوْلِ حُكْمَ أَصْلِ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْفَائِدَةَ لِحَوْلِهَا وَالنِّصَابَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِحَوْلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ إذَا قِيسَ عَلَى الْأَصْلِ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ.

وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَارَقَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِي أَحْكَامٍ غَيْرِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ لِأَنَّ مَا مِنْ فَرْعٍ إلَّا وَهُوَ يُخَالِفُ الْأَصْلَ الَّذِي قِيسَ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحْكَامٍ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَاسَ إتْمَامَ نِصَابِ الْمَاشِيَةِ بِنَمَائِهَا الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهَا عَلَى إتْمَامِ نِصَابِ الْعَيْنِ بِنَمَائِهِ لِعِلَّةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا أَيْ الْأَوْلَادُ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكْمُلَ بِهَا نِصَابُهَا كَالْعَيْنِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّمَاءِ دُونَ الْفَوَائِدِ فَاخْتِلَافُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ لَا فِي النَّمَاءِ لَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْفَوَائِدِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَصْلِ وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالسَّاعِي فَإِذَا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِزَكَاةِ الْأَصْلِ لَمْ يُمْكِنْ تَكَرُّرُ السَّاعِي وَنِعْمَتْ الْمَعْدِلَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ زُكِّيَتْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى النِّصَابِ زُكِّيَتْ لِحَوْلِ النِّصَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اعْتِبَارِهِ لِحَوْلِ النِّصَابِ فَتُعَجَّلُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَلَا أَنْ يُضَافَ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَيُزَكَّى إلَى أَكْثَرَ مِنْ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ اهـ بِتَصَرُّفٍ مَا.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ) .

الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ وَمَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْحُقُوقُ قُدِّمَ مِنْهَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مُضَيَّقًا مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّضْيِيقَ يُشْعِرُ بِكَثْرَةِ اهْتِمَامِهِ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا جُوِّزَ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَجَعْلُهُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى مَا لَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا تَقْدِيمُ حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفُوتُ وَحِكَايَةَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ الْأَمْوَالِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْعَادَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُنْتَقَلُ لِلتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا خَرَجَ ثَمَنُ الْمَاءِ فِي شِرَائِهِ لَهُمَا عَنْ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ بَالٌ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَائِهِ إنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى صَغِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ لَا إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ لِأَنَّ الثُّلُثَ لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>