للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا فَوْقَ الْمَرَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْمَرَّاتِ وَقَعَتْ الْمَرَّةُ وَإِنْ وَقَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَعَتْ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَازِمَةٌ لِدُخُولِ مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمَاهِيَّةُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذَا النَّوْعِ الْأَخَصِّ عَيْنًا بِالضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ مُطْلَقِ الْمَالِ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى إخْرَاجِ الْأَقَلِّ عَيْنًا وَكَذَلِكَ كُلُّ أَقَلَّ مَعَ أَكْثَرِ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ نَوْعَيْهَا عَيْنًا وَهُوَ الْأَقَلُّ بِالضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا ضَابِطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَأَمَّا مِثَالُ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْحَقَائِقِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُعْتَقَدُ غَيْرُهُ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّاطِقَ وَلَا الْبَهِيمَ عَيْنًا مِنْ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمٍ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا وَسَبَبُ عَدَمِ الْتِزَامِهِ لِأَحَدِهِمَا عَيْنًا تَبَايُنُهُمَا.

فَإِذَا قُلْنَا: فِي الدَّارِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ أَهُوَ نَاطِقٌ أَوْ بَهِيمٌ وَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ لَهَا نَوْعَانِ الزَّوْجُ وَالْفَرْدُ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ أَحَدَهَا عَيْنًا فَإِذَا قُلْنَا مَعَ زَيْدٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا يُشْعِرُ هَلْ هُوَ زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ لِحُصُولِ التَّبَايُنِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا لَوْنٌ حَقِيقَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا إشْعَارَ لِلَفْظِهَا بِسَوَادٍ وَلَا بَيَاضٍ بِخُصُوصِهِ نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصٍ لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ بِخِلَافٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ، وَبِهَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ بِعْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لِأَنَّهَا فُوقَ الْمَرَّةِ) قُلْت: وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ.

قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ عَيْنًا إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا ضَابِطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت: مَا أَبْعَدَ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْصِيلِ وَهَلْ يَسْتَرِيبُ ذُو عَقْلٍ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِعْلٌ مَا فِي الْوُجُودِ مَرَّاتٍ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَرَّاتٍ؟

وَكَيْفَ يَصِحُّ فِي الْأَفْهَامِ شَيْءٌ ... إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إلَى دَلِيلِ

وَمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ إلَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ الْفِعْلِ الْمُنْفَرِدَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْمُجْتَمِعَةُ مَعَ أُخْرَى أَوْ آخَرَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمَ كَيْفَ وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ وَالْمَرَّةُ الْمَقْرُونَةُ بِأُخْرَى أَوْ آخَرَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالْقَيْدَانِ وَاضِحٌ تَنَاقُضُهُمَا وُضُوحًا لَا رَيْبَ فِيهِ.

قَالَ (وَأَمَّا مِثَالُ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْحَقَائِقِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُعْتَقَدُ غَيْرُهُ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّاطِقُ وَلَا الْبَهِيمُ عَيْنًا مِنْ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمٍ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ) قُلْت: قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ الْأَكْثَرُ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ الْمَهِيعُ الَّذِي لَا مَهِيعَ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ " بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ " قَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافِهِ.

قَالَ (وَبِهَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ بِعْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَسَبَبُ الضَّلَالَةِ وَبَيْنَ اللَّبَنِ الَّذِي هُوَ الْفِطْرَةُ الْمَطْلُوبَةُ الْوُجُودِ وَسَبَبُ الْهِدَايَةِ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الَّذِي يَتَّضِحُ بِهِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَنَّ الْعِقَابَ لَمَّا كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ كَانَ تَحْرِيمًا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَمَّا كَانَتْ تَرْجِعُ إلَى أَثَرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَهُ فِي الْحَوَادِثِ لَا بِخِطَابِهِ وَكَلَامِهِ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ مُضَادَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخَيَّرُ بَيْنَ سُكْنَى هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ تَزْوِيجِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ شِرَاءِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِمُقْتَضَى أَنَّ الشَّرْعِيَّ النَّاشِئَ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ أَمْكَنَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّك لَوْ اخْتَرْت مَا تَرَكْت مِنْ الدَّارَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالِك وَهَلَاكِ مَالِكَ وَذُرِّيَّتِك وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ» .

وَقَالَ بِحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ «لَمَّا قِيلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ دَارٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ وَافِرٌ وَالْمَالُ كَثِيرٌ فَذَهَبَ الْعَدَدُ وَالْمَالُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» بَلْ وَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّا نُجَوِّزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَابِسُهَا وَيَجْعَلُ عَاقِبَتَهَا رَدِيئَةً قَالَ تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] وَذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ الثَّابِتَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ الْكَائِنِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَلِذَا وَقَعَ تَخْيِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْقَدَحَيْنِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ مُحَقَّقٌ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مَأْذُونٌ بِإِقْدَامِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدَحِ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ وَلَا عِقَابٌ نَعَمْ فِيهِ سُوءُ الْعَاقِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَثَرِ الْقُدْرَةِ وَالْقَدْرِ وَمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَوَادِثِ مِنْ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ لَا لِلْمَنْعِ النَّفْسِيِّ الْمُنَاقِضِ لِلتَّخْيِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا]

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>