للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُحْتَمَلَ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَارِدَةً عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَالَةَ كَوْنِهَا مُفْرَدَةً فَإِذَا جُمِعَتْ وَقِيلَ كَفَالَاتُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَوَاثِيقُهُ فَالْأَسْئِلَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا.

وَيَرِدُ عَلَى الْجَمْعِ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ وَقَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادَهِ وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْحَوَادِثُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَّجَهٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالتَّقَارِيرِ.

اللَّفْظُ السَّابِعُ ايْمُنُ اللَّهِ قَالَ سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: ١] أَيْ كَثُرَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (اللَّفْظُ السَّابِعُ أَيْمُنُ اللَّهِ) قُلْت مَا حَكَاهُ مِنْ الِاشْتِقَاقِ وَغَيْرِهِ لَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ حَالِفٌ بِمُحْدَثٍ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ حَلِفُهُمْ وَهُوَ مُحْدَثٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إلَى قَصْدِهِ إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا أَوْ إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ جَمِيعِ مَا يَلْزَمُ شَرْعًا بِالْتِزَامِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ: أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِلَفْظِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ وَلَا بِالْمُلْتَزَمِ الشَّرْعِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْقَرَائِنِ أَنَّهُ عَنِيَ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ فَلُزُومٌ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ أَوْ الْمُلْتَزَمَاتِ الشَّرْعِيَّةِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَلَا يُقَالُ لِفِعْلِهِ رِيَاءً مَعَ أَنَّهُ قَدْ شَرَّك فِيهِ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ الْعَمَلُ لِيَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ وَأَمَّا الْعَمَلُ لِمَنْ يَرَى وَلَا يُبْصِرُ كَالْمَالِ الْمَأْخُوذِ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ رِيَاءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّأْمِينَ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّأْمِينَ مِنْ عَقْدَيْ الْمُصَالَحَةِ وَالتَّأْمِينِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ وُجُوهٍ)

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يَكُونُ لِضَرُورَةٍ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْقِتَالَ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] فَجَعَلَ الْقَتْلَ مُغَيَّا إلَى وَقْتِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْأَمِيرِ تَأْمِينَ الْجَيْشِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَقْتَضِيه.

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا يَعْقِدُهُ إلَّا الْإِمَامُ كَعَقْدِ الْمُصَالَحَةِ.

وَأَمَّا التَّأْمِينُ فَيَصِحُّ مِنْ آحَادِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ كَالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْجَيْشُ الْكَبِيرُ فَعَقْدُ تَأْمِينِهِ لِلْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يَدُومُ لِلْمَعْقُودِ لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ لِلْعَقْدِ نَاقِضٌ مِنْ النَّوَاقِضِ الْمُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُهَا وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ إنَّمَا يَكُونُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ.

(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَيْسَ رُخْصَةً عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْقِتَالِ وَطَلَبِ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَقِتَالِهِمْ أَوْ إلْجَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ شُرُوطَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطَ عَقْدِ الْمُصَالَحَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرُوطِ فَسَادٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ التَّأْمِينُ لَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ بَلْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ)

أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَالِ وَعَقْدَ الْمُصَالَحَةِ يَجُوزُ بِغَيْرِ مَالٍ يُعْطُونَهُ (وَالْوَجْهُ السَّابِعُ)

أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زِيَادَةً عَلَى الْأَمْنِ وَالتَّأْمِينِ حُقُوقًا مُتَأَكِّدَةً مِنْ الصَّوْنِ وَالذَّبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>