للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعَةِ حَقَائِقَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ الْعَامُّ، وَأَنْوَاعُهُ الثَّلَاثَةُ السِّيمِيَاءُ وَالْهِيمْيَاءُ وَالْخَوَاصُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا.

(الْحَقِيقَةُ الْخَامِسَةُ) الطَّلْمَسَاتُ وَحَقِيقَتُهَا نَفْسُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ وَتَعَلُّقِهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ وَجَعْلِهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ.

(الْحَقِيقَةُ السَّادِسَةُ) الْأَوْفَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْحَقِيقَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلْمَسَاتُ وَحَقِيقَتُهَا نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ وَتَعَلُّقِهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ وَجَعْلِهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ) .

قُلْتُ ذَكَرَ أَوْصَافَ الطَّلْسَمَاتِ وَرَسْمَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا ثُمَّ مَنْ اعْتَقَدَ لَهَا فِعْلًا وَتَأْثِيرًا فَذَلِكَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَعِلْمُهَا مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مَا يُؤَدِّي مِنْهَا إلَى مَضَرَّةٍ دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَنْفَعَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (الْحَقِيقَةُ السَّادِسَةُ الْأَوْفَاقُ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ.

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الْحُدُودِ وَعَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ، وَأَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عُدُولٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لَسَكَتَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ

إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَسْلَمَ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ أَنَّا قَبِلْنَاهُ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرُ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَلِذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا فَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَحْثَ كَمَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ كَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْإِسْلَامِ، وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا إجْمَاعَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِيهَا مَعَ أَنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَبَيْنَ الْعَدَالَةِ بِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْأَصْلَ بَلْ إذَا عُلِمَتْ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا تَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.

وَأَمَّا الْفَقْرُ فَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَأَصْلُهُ الطَّهَارَةُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الثَّوْبِ الطَّهَارَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ الِاكْتِفَاءَ بِظَاهِرِ الْعُمُومَاتِ وَالْأَوَامِرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا.

[الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ]

(مَسْأَلَةٌ) فِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَفِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ إلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِهَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ أَيْ وَعَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ فَعِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيِّتٍ مَاتَ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مُسْلِمُونَ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَالْوِلَادَةِ بَلْ قَالَ أَبُو زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ وَالْمَسْخُوطِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>