تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا نَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ تَقَدَّمَ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى نَمْنَعَهُ بَلْ الشَّرْطُ اقْتَضَاهُمَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا فَلَا تَرْتِيبَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَقَدَّمَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَقَضَيْنَا بِتَقَدُّمِهِ عَلَى الظِّهَارِ فَمَنَعَهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرَتُّبِ أَجْزَاءِ الشَّرْطِ وَمُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمَشْرُوطَاتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ الْمُسَبِّبَاتُ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا الْمُسَبِّبَاتُ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ كَمَا نَقُولُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا اللَّفْظُ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَسَبَبٌ لِإِبَاحَةِ أُخْتِهَا وَلَا نَقُولُ إنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بَعْدَهُ.
(الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ) قَدْ الْتَبَسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَوَقَعَتْ مَبَاحِثُ رَدِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى اللَّبْسِ بَيْنَهُمَا وَتَقْرِيرُ الْفَرْقِ أَنَّ الزَّمَانَ أَجْزَاؤُهُ سَيَّالَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ بِذَاتِهَا عَقْلًا مُسْتَحِيلَةُ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ أَمْسُ الدَّابِرُ مَعَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ وَلَا أَوَّلُ النَّهَارِ مَعَ آخِرِهِ وَلَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الزَّمَانِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ مُرَتَّبُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ وَاقِعَةٌ فِي الزَّمَانِ وَمُنْقَسِمَةٌ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاقِعُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي الْحَاضِرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ أَنَّهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَظَهَرَ أَنَّ تَرْتِيبَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ يَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمُرَتَّبِ مُرَتَّبٌ عَقْلًا لَا بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَهُوَ بِالْفَاءِ وَثُمَّ وَحَتَّى وَالسِّينِ وَسَوْفَ وَلَمْ وَلَا وَلَنْ وَمَا وَنَحْوِهَا.
فَإِذَا قُلْت: قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٌو يَقْتَضِي أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلَ إلَيْهَا كَقَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَالسَّيْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ شَأْنُ جَمِيعِ الْغَايَاتِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مِثْلِ قَاعِدَةِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ مِثْلٍ فَذَكَرَهَا لَكِنَّهُ زَادَ عِنْدَ تَعْدَادِهَا التَّمْيِيزَ وَالْبَدَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالَيْهِمَا.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ: عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي كَوْنِهَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الدَّارِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك فَإِنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ.
[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ذِكْر الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ]
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) الْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيقِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا فِي الْمُعَلَّقِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ وَقَدْ يَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْمُعَلِّقِ بِحَيْثُ يُوجَدُ الْمُعَلِّقُ لِأَجْلِهِ وَلَا يَنْتَفِي الْمُعَلِّقُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطَ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: ١١٤] فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا الشُّكْرَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَأْمُورُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك: أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي إذْ لَا تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ.
[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا نِسَاءُ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ]
(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ) قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: ٣٢] يَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَالْمَعْنَى إنْ اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَا تَقِسْنَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّكُنَّ أَعْظَمُ فَإِنْ اتَّقَيْتُنَّ شَرْطٌ حُذِفَ جَوَابُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: ٣٢] كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْإِرْشَادِ وَالتَّهْيِيجِ بِجَعْلِ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْمَيْلِ إلَى مَا تَمِيلُ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِبُعْدِهِ عَنْ مَقَامِهِنَّ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ.