للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ

(الْأَوَّلُ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَقْوَالِ

(الثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ لَنَا إنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى حَالَةِ الْمُبَايَعَةِ كَانَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَصْدُقُ حَقِيقَةَ الْإِحَاطَةِ الْمُلَابِسَةِ وَبِكَوْنِ الْمَجَازِ فِي الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» ، الْحَدِيثَ. أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ) قُلْت تِلْكَ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ وَالْعَادَةُ غَالِبًا أَنْ لَا يَطُولَ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ قَالَ (وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا إلَى آخِرِهِ) قُلْت يَأْتِي جَوَابُهُ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ قَالَ

(الثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُصَدِّقُ حَقِيقَةَ الْإِحَالَةِ الْمُلَابِسَةِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ قَالَ (وَيَكُونُ الْمَجَازُ فِي الِافْتِرَاقِ) قُلْت ذَلِكَ مَذْهَبُهُ قَالَ (فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ إلَى قَوْلِهِ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ) قُلْت الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَقْوَالُ كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَفْعَالُ التَّابِعَةُ لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ.

قَالَ (وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودٌ بِالْقِيَاسِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ الْمُلَابَسَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ اسْمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فُرُوعِهَا وَلَا نَخْرُجُ عَنْهَا اهـ.

وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِ فَمُعْتَمَدُ مَذْهَبِنَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْعِ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَكِيلٌ وَالْآخَرَ مَوْزُونٌ وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ الْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ يُعَلِّلَانِ بِتَعَذُّرِ التَّمَاثُلِ بِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَيْسَ هُوَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا رِوَايَةُ الْمَنْعِ إذَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا صَارَ دَقِيقًا اخْتَلَفَ كَيْلُهُ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ وَالْعَدَدَ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ اهـ بِزِيَادَةٍ فَافْهَمْ.

وَأَمَّا الْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَفِي الْأَصْلِ مَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْحِجَازِ اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» فَذَكَرَ أَحَدَ الْبَلَدَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى الْآخَرِ لِيَرُدَّ الْبِلَادَ إلَيْهِمَا وَمَا تَعَذَّرَ كَيْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَجْهَانِ أُلْحِقَ بِمُشَابِهِهِ فِي الْحِجَازِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ شَابَهُ أَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ يُغَلَّبُ الْوَزْنُ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ نَظَرًا لِلتَّسَاوِي، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ نَظَرًا لِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ هَذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَر]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ)

الْغَرَرُ لُغَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدُّنْيَا مَتَاعَ الْغُرُورِ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْغِرَارَةِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْغِرُّ بِكَسْرٍ الْغَيْرَةُ لِلْخِدَاعِ وَيُقَالُ لِلْمَخْدُوعِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ» اهـ.

وَالْمَجْهُولُ لُغَةً ضِدُّ الْمَعْلُومِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْغَرَرُ اصْطِلَاحًا مَا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا جُهِلَتْ صِفَتُهُ أَمْ لَا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْمَجْهُولُ اصْطِلَاحًا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ كَبَيْعِ الشَّخْصِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا لَكِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هُوَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمَجْهُولِ اصْطِلَاحًا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيَجْتَمِعَانِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>