للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ.

(الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقُولُ الدَّاعِي رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّحَاحِ أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَسْتَأْصِلُهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةً لِمَا مَرَّ.

(الرَّابِعُ) أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً فَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانٌ أَنَّ السُّخْطَ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ، ثُمَّ اسْتَدَانَ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَابُ بَرِيءٌ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً بَلْ يَقُولُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ) .

قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَأَطَالَ فِيهِ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَسَاقَ الْحَدِيثِ مُشْعِرٌ بِالْمَدْحِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ اخْتِصَاصُهَا بِذَلِكَ الرَّفْعِ وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لِقَرِينَةِ الْمَدْحِ وَيَكُونُ هُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَهُ السَّائِلُ وَيَبْطُلُ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(الْمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّحَاحِ أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ) . قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِحُجَّةٍ فِي أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَلِكَ جَوَابُهُ فِيمَا قَالَ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ قَالَ (الرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً فَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ السُّخْطَ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ، ثُمَّ اسْتَدَانَ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَابُ بَرِيءٌ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً بَلْ يَقُولُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا مِنْ فَاطِمَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِهَا وَقَامَ إلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا رَحَّبَتْ بِهِ وَقَامَتْ وَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهَا» ، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ تَعْظِيمًا لَهُ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِسَيِّدِكُمْ لَا لِيُعِينُوهُ، وَإِلَّا لَقَالَ لَهُمْ قُومُوا لِمَرِيضِكُمْ أَوْ لِمَجْرُوحِكُمْ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ كَرَاهِيَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِقِيَامِهِمْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّوَاضُعِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْوِبَتِهِمْ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَنْ قَالَ لَهُ يَا سَيِّدَنَا لَا تَقُلْ ذَلِكَ إنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ كَمَا فِي رِسَالَتِي انْتِصَارِ الِاعْتِصَامِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، قَالَ الْأَصْلُ: وَالْمُبَاحُ هُوَ مَا إذَا فُعِلَ إجْلَالًا لِمَنْ لَا يُرِيدُهُ أَيْ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا بَلْ أَرَادَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ النَّقِيصَةِ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا سَيَأْتِي قَالَ: وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمُحَرَّمُ مَا إذَا فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّهُ تَجَبُّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْمَكْرُوهُ مَا إذَا فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ مَحَبَّةِ الْقِيَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ أَوْ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ تَجَبُّرًا أَمَّا مَنْ أَرَادَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّقِيصَةِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ دَفْعِ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَةِ مَأْذُونٌ فِيهَا بِخِلَافِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ نَعَمْ لَا يُنْهَى عَنْ الْمَحَبَّةِ لِلْقِيَامِ تَجَبُّرًا وَتَكَبُّرًا وَالْمَيْلُ لِذَلِكَ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّ الْأُمُورَ الْجِبِلِّيَّةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا بَلْ إنَّمَا يُنْهَى عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَذِيَّةِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَقُومُوا وَمُؤَاخَذَتُهُمْ عَلَيْهِ فَالْقِيَامُ لِإِكْرَامِ النَّاسِ يَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمُوَادَّةِ وَغَيْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْهَا هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ.

قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ وَشَيْخُهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الشَّاطِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَقَدِّمِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا ضَلَالَةً مُحَرَّمَةً، وَإِنَّمَا تَتَفَاوَتُ رُتَبُهَا فِي التَّحْرِيمِ فَلَا يُبَاحُ مِنْ الْمُوَادَّةِ إلَّا مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ]

(وَصْلٌ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ) تَتَعَلَّقُ بِالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَرَدِّ السَّلَامِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُكَارَمَةِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

الْمُصَافَحَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَحُجَّتُهُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا وَحُجَّةُ الْكَرَاهَةِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْمَلَائِكَةِ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى إبْرَاهِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>