للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا تَنْوِي رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بِقَوْلِهِ إنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ مُنِعَ عَلَى وَجْهٍ مَا فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَقَطْ وَإِنْ أَرَادَ مَا لَا يُمْنَعُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ.

قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا نَوَتْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ هُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي سَمَّاهَا فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ.

قَالَ (فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ) قُلْتُ لَمْ تُشْرَعْ النِّيَّاتُ لِذَلِكَ وَلَكِنْ شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ لِمَنْ أُمِرَ بِالْعِبَادَاتِ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَمِنْ لَازِمِ التَّقَرُّبِ بِهَا لِلْمَعْبُودِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ وَلِلسَّبَبِ الَّذِي نَصَبَ فَالتَّمْيِيزُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِشَرْعِ النِّيَّاتِ بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِمَا شُرِعَتْ لَهُ النِّيَّاتُ.

قَالَ (وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ) قُلْتُ وَلِمَ كَانَ تَرْكُهَا لِلصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ سَبَبًا فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِهِ بِنِيَّةِ التَّعْوِيضِ مِنْهُ وَكَيْفَ يَجِبُ التَّعْوِيضُ مِنْ غَيْرِ وَاجِبٍ هَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ لَكِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا فِعْلُ هَذَا الْوَاجِبِ تَعَذُّرًا شَرْعِيًّا وَحُكْمُ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ كَحُكْمِ الْعُذْرِ الْحِسِّيِّ أَمَّا الْحِسِّيُّ فَكَالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِقِ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ فَكَمُزَاحَمَةِ وَاجِبٍ تَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ إنْ أُخِّرَ كَمَا فِي إنْقَاذِ غَرِيقٍ يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَكِلَا الْمُكَلَّفَيْنِ بِذَلِكَ يَقْضِيَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَدْ كَانَ الْوُجُوبُ تَعَلَّقَ بِهِمَا عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِمَا إلَى حِينِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْكِلُ وُجُوبُ وَاجِبٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي وَقْتٍ يَمْتَنِعُ إيقَاعُهُ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَرَى تَرَتُّبَ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالدُّيُونِ.

قَالَ (بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ)

اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْمُبْتَدَأِ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الْإِخْبَارِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ أَعَمَّ مِنْ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْخَبَرُ فَمَعْنَى قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْسَانُ الْخَاصُّ هُوَ الْحَيَوَانُ الْعَامُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِمَارٌ وَثَوْرٌ وَكَلْبٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَقَوْلِهِ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ النَّاطِقِ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ فَيَصْدُقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ.

وَأَمَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا الْإِنْسَانَ لَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لِكُلِّ مُبْتَدَأٍ فِي خَبَرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ ضَرُورَةَ أَنَّ انْتِفَاءَ نَقِيضِهِ لَازِمٌ لِثُبُوتِهِ لِلْمُبْتَدَأِ فَنَحْوُ قَوْلِكَ زَيْدٌ قَائِمٌ مُخْبِرًا عَنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ يَلْزَمُهُ عَقْلًا انْتِفَاءُ عَدَمِ الْقِيَامِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ صَرِيحًا وَالثَّانِي حَاصِلٌ صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمُقْتَضَى اسْتِقْرَارِ تَرَاكِيبِ الْبُلَغَاءِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ مَنْ فَرَّقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ بِجَعْلِهِ الثَّانِيَ لِلْحَصْرِ دُونَ الْأَوَّلِ فَزَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لَا اللَّفْظِ مُنْحَصِرًا فِي مَفْهُومِ قَائِمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ قَائِمًا دَائِمًا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الِاسْتِقْبَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ لَفْظَ قَائِمٍ مُطْلَقٌ فِي الْقِيَامِ.

فَقَوْلُنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَقِيضُهُ إنَّمَا هُوَ السَّالِبَةُ الدَّائِمَةُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي مَفْهُومِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى ضِدِّهِ أَوْ خِلَافِهِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالنَّقِيضِ عَدَمُ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا جَالِسًا فِي وَقْتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>