للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ يَقْتَضِي الدَّلَالَةَ بِالْخَبَرِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ

: (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ تَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةُ الْمَعْلُولِ لِعَدَمِ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ هُوَ كَثِيرٌ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا عَلَى ثُبُوتِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ إلَى آخِرِهِ مَا قَالَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الثَّلَاثَةِ الْفُرُوقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْأَكْلِ وَلَمْ يُقْلَعْ وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا مَقْلُوعًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْمُغَيَّبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ مِنْ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْبُيُوعِ أَمْ لَيْسَ مِنْ الْمُؤَثِّرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ بِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَإِنَّ غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ أَوْ مَا جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)

اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْغَدِيرِ أَوْ الْبِرْكَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا أَحْسَبُ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِي أُصُولُهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْآبِقُ أَجَازَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَعْلُومَ الصِّفَةِ مَعْلُومَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَازَ وَأَظُنُّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْإِبَاقِ وَيَتَوَاضَعَانِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ عِنْدَ الْعَقْدِ بَيْنَ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ يُمْنَعُ بِهِ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ وَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ غَيْرُ الْمَأْمُونِ وَفِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّارِدِ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ. وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْإِمَاءِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ»

وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ مِنْهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ.

وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ بَعْدَ الْحَلْبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَ اللَّحْمِ فِي جِلْدِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْمَرِيضِ أَجَازَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْئُوسًا مِنْهُ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالصَّوَّاغِينَ فَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِنَقْدٍ يُخَالِفُهُ أَوْ يَعْرِضُ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعَ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ الْبِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهُمَا]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهَا)

الذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتُضْبَطَ بِهِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ صُورَةً الْمُتَخَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ السَّلَفُ الْجَارُّ نَفْعًا، وَكَذَا غَيْرُ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التَّخَيُّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ مَا عَدَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ كَأَنْ يُكْرِمَ بَائِعٌ مَنْ أُرِيدَ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَغُرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ بِتَشْبِيهِ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّوَسُّلِ فِي كُلٍّ، ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَانْقَسَمَتْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ أَيْ عَلَى إلْغَاءِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّجَاوُرِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى فَلَمْ يُمْنَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَسِيلَةً وَسَبَبًا لِلْمُحَرَّمِ

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَجْمَعُوا عَلَى سَدِّهِ أَيْ إعْمَالِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ وَالْمَنْعُ مِنْ حَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُمْ فِيهَا أَوْ ظَنَّ وَالْمَنْعُ مِنْ إلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا فَيَهْلَكُونَ وَالْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مُجْتَمِعَيْنِ خَشْيَةَ الرِّبَا وَحِوَارُهُمَا مُفْتَرِقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] وقَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] حَيْثُ ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الصَّيْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» .

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» خَشْيَةَ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَمَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْعَكْسَ فَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ سَدَّ الذَّرَائِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>