للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ لِلزَّوْجَةِ وَقَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخْذُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِهِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ الْكُلُّ سَوَاءٌ وَهَذَا أَصْلٌ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةً أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ فَهُوَ صَرِيحٌ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لِلْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ)

قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا ذِكْرُ اشْتِقَاقٍ وَحِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَنَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ» إلَخْ مُقَيَّدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» إلَخْ فَيُحْمَلَانِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ» إلَخْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ حَمْلِ الْمُقَيَّدَيْنِ عَلَى الْمُطْلَقِ الْوَاحِدِ لَا الْعَكْسُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ بِهِ)

فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقَلُّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] فَإِذَا أَسْقَطْت حَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَتْ مِنْهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ اهـ.

فَمِنْ هُنَا أَطْلَقَ الْعُلَمَاءُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَلَامُهُمْ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] قَالَ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدِي بِمَا حَكَاهُ الشِّهَابُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ حَيْثُ قَالَ ذَكَرَ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَطِبَّاءِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَيُوضَعُ لَمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ تَحَرَّكَ فِي مِثْلَيْ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَيُوضَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ.

وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>