لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَقِيلَ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَاسْتَشْكَلُوا كَيْفَ تَكُونُ الْعِبَادَةُ أَدَاءً وَفَاعِلُهَا آثِمٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ وَقْتٍ يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ فَدَلَّ لُزُومُ الصَّلَاتَيْنِ لَهُمْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَدَاءً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّا لَمَّا حَدَّدْنَا الْأَدَاءَ لَمْ نَحُدَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِينَ وَإِنَّمَا حَدَّدْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادَةِ خَاصَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ مَنْ هُوَ هَلْ هُوَ ذُو عُذْرٍ أَمْ لَا.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ فِي حَدِّهِمَا بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ فَصَارَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ تَابِعًا لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا أَمْ لَا فَكَانَ الظُّهْرُ أَدَاءً إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الشَّرْعُ قَدْ مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَ فِي آخَرَ فَسُمِّيَ الْوَقْتُ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ وَيَبْقَى مِنْ آخِرِ الْقَامَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ مِنْ الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ حَدِّ الْأَدَاءِ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَإِذَا أَخَّرَ الْفِعْلَ إلَيْهِ وَأَوْقَعَهُ فِيهِ كَانَ مُؤَدِّيًا آثِمًا أَمَّا أَدَاؤُهُ فَلِصِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ.
وَأَمَّا ثَمَّةَ فَلِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي حُدِّدَ لَهُ مِنْ الْوَقْتِ وَلِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ إلَى قَوْلِهِ فَيَأْثَمُ الْأَوَّلُ بِتَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِ وَقْتِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ اصْطِلَاحٌ اخْتَرَعَهُ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ.
قَالَ (أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتَ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَمِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ الْأُولَى أَنَّهُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي إنْ أَرَادَ بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ دُونَ الْمَسْكُوتِ أَنَّ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالذِّكْرِ اللَّفْظِيِّ مُخْتَصٌّ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّا حَكَمْنَا عَلَى السَّائِمَةِ مَثَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ عَلَى الْمَعْلُوفَةِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ النِّسْبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْحُكْمِ الْخَارِجِيِّ مُخْتَصٌّ بِالْمَذْكُورِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْمَعْلُوفَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَثْبُتَ نِسْبَتُهُ وَلَا يُحْكَمَ بِثُبُوتِهَا وَحَاصِلُهُ تَسْلِيمُ اخْتِصَاصِ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ دُونَ الْخَارِجِيَّةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الْإِنْشَاءِ إذْ لَيْسَ لِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ هُوَ الْخَارِجِيُّ إلَّا أَنْ يَئُولَ بِالْخَبَرِ أَوْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَعَلِّقِ هَاهُنَا هُوَ طَرَفُ الْحُكْمِ كَالسَّائِمَةِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الذِّكْرِ النَّفْسِيِّ هُوَ الطَّرَفَانِ لِيَصِحَّ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ جَمِيعًا.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِكِلَا تَقْرِيرَيْهِ كَمَا يَجْرِي هُنَا يَجْرِي فِي اللَّقَبِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَكَانَ لِلِاشْتِرَاكِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَوْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الِاخْتِصَاصُ وَأَنَّهُ يُفِيدُهُ قَطْعًا مَعَ أَنَّ اللَّقَبَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فُضَلَاءُ وَلَا مُقْتَضَى لِتَخْصِيصِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْفَضْلِ نَفَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَلَوْلَا فَهْمُهُمْ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لَمَا نَفَرُوا.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ النَّفْرَةِ وَفَهْمِهِمْ نَفْيِ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ النَّفْرَةُ إمَّا لِتَصْرِيحٍ بِغَيْرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالِ كَمَا يَنْفِرُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي الذِّكْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا لِتَوَهُّمِ الْمُعْتَقِدِينَ لِإِفَادَةِ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ قَصْدَ تِلْكَ الْإِفَادَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ أَنْ تُذْكَرَ عِبَارَةٌ يَتَوَهَّمُ مِنْهَا بَعْضُ النَّاسِ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْهُمْ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُعْتَقِدَيْنِ تِلْكَ الْإِفَادَةَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَأَنَّهُ تَوَهُّمٌ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] قَالَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا قَدْحَ فِي رُوَاتِهِ «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ السَّبْعِينَ وَذَلِكَ مَفْهُومُ الْعَدَدِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِهِ قَالَ بِمَفْهُومِ