للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّلَالِ انْتَفَى الْعُذْرُ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْفِيرِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَعَلَيْهِ تَدُورُ الْفَتَاوَى فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ.

(الْقِسْمُ السَّابِعُ) الْجَهْلُ بِقِدَمِ الصِّفَاتِ لَا بِوُجُودِهَا وَتَعَلُّقِهَا كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِهَا، وَفِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلَانِ الصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ.

(الْقِسْمُ الثَّامِنُ) الْجَهْلُ بِمَا وَقَعَ أَوْ يَقَعُ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا كُفْرٌ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا كَالْجَهْلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْثَةَ الرُّسُلِ، وَأَرْسَلَهُمْ لِخَلْقِهِ بِالرَّسَائِلِ الرَّبَّانِيَّةِ وَكَالْجَهْلِ بِبَعْثَةِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْجَهْلُ بِهَذَا كُفْرٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّلَالِ انْتَفَى الْعُذْرُ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْفِيرِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَعَلَيْهِ تَدُورُ الْفَتَاوَى فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ وَتَوْجِيهٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْقِسْمُ السَّابِعُ الْجَهْلُ بِقِدَمِ الصِّفَاتِ لَا بِوُجُودِهَا وَتَعَلُّقِهَا كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِهَا، وَفِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلَانِ الصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّامِنِ صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَهْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ مَذْهَبُهُمْ الْجَزْمُ بِأَنَّ لَا بَعْثَةَ لِلْأَجْسَامِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ التَّاسِعِ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَضَاءٌ قَضَيْته ثُمَّ رَاجَعْت فِيهِ نَفْسَك وَهُدِيت فِيهِ لِرُشْدِك أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ، وَمُرَاجَعَتُهُ خَيْرٌ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّمَادِي فِيهِ. الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِك مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْمِدْ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى، وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أُخِذَتْ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا أَوْجَبْت لَهُ الْقَضَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلشَّكِّ، وَأَبْلَغُ لِلْعُذْرِ. النَّاسُ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مَجْرِيًّا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنْكِيرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يَعْظُمُ بِهِ الْأَجْرُ، وَيَحْسُنُ عَلَيْهِ الذُّخْرُ فَإِنَّ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَهُ شَانَهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّك بِثَوَابِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلَامُ.

قَالَ ابْنُ سَهْلٍ هَذِهِ الرِّسَالَةُ أَصْلٌ فِيهِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فُصُولِ الْقَضَاءِ وَمَعَانِي الْأَحْكَامِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَيَنْبَغِي حِفْظُهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا ابْنُ سَهْلٍ، وَقَوْلُهُ فِيهَا: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ رَجَعَ عَنْهُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَبِيعَةُ «قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ قَدْ جِئْتُك عَلَى أَمْرٍ لَا رَأْسَ لَهُ، وَلَا ذَنَبَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ عُدُولٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَأَخَذَ الْحَسَنُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِمَا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ)

وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْمُرَجِّحَةَ عِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٌ وَاتِّصَالٌ إمَّا مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ فَيَكْفِي فِيهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَ الْمُحَوَّزُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَعَ عِلْمِنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنَّ أَصْلَ مِلْكِهَا يَحِقُّ لِلْحَائِزِ فَيَكْفِي فِيهَا عَشْرَةُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ فِي الْعَقَارِ، وَعَامَانِ فَأَكْثَرُ فِي الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ قُلْت لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَرِيبِ فَتَنَبَّهْ، وَلِلْيَدِ مَرَاتِبُ مُتَرَتِّبَةٌ فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

وَأَمَّا الْيَدُ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّرْجِيحِ أَلْبَتَّةَ فَعِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٍ وَاتِّصَالٍ عَلِمْنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا بِطَرِيقٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْمِلْكِ بِحَقٍّ كَالْغَصْبِ، وَالْعَارِيَّةِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا آجَرْتُهُ إيَّاهَا، وَقَالَ الْآخَرُ أَوْدَعْته إيَّاهَا صُدِّقَ مَنْ عُلِمَ سَبْقُ كِرَائِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>