لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ.
(الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةِ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ وَأَعْضَائِهِ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ الثِّمَارَ مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ وَغِرَاسٍ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فَطَالِبُ ذَلِكَ مُسِيءُ الْأَدَبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ فَإِنَّ عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى جَارِيَةٌ قَطْعًا بِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَنْفُسِ فِي الشَّدَائِدِ بَلْ لَا تَكَادُ نَفْسٌ تَسْلَمُ مِنْ شِدَّةٍ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ فِي بَقَائِك وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْمَدْعُوُّ بِهِ لِهَذَا الدَّاعِي فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَ هَذَا الدَّاعِي رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةَ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ نَظَائِرَهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ) قُلْت قَدْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ لِطَلَبِ الْوِلَايَةِ وَحُكْمُهُ بِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ دَعْوًى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ وَتَكْثِيرُهُ الْأَمْثِلَةَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ فَإِنَّ عَادَةَ اللَّهِ جَارِيَةٌ قَطْعًا بِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَنْفُسِ فِي الشَّدَائِدِ بَلْ لَا تَكَادُ نَفْسٌ تَسْلَمُ مِنْ شِدَّةٍ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ فِي بَقَائِك وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهُمَّ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْمَدْعُوُّ بِهِ لِهَذَا الدَّاعِي، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَ هَذَا الدَّاعِيَ رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةَ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ وَقِسْ عَلَى هَذَا نَظَائِرَهَا) قُلْت لَيْسَ كَوْنُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاقِعَةً عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بِمُوجِبٍ أَنْ لَا تُطْلَبَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُطْلَبَ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَغَايَتُهُ أَنْ نَقُولَ طَلَبُ مِثْلِ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْمُمْتَنِعِ عَادَةً عَلَى مَعْنَى أَنْ يَقْصِدَ الطَّالِبُ بِطَلَبِهِ أَنْ يَصِيرَ وَلِيًّا فَتُخْرَقَ لَهُ الْعَادَةُ فَقَدْ جَوَّزَ مَا مُنِعَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
النُّورِ كَمَا أَنَّ الْوَزِيرَ وَالسُّلْطَانُ وَالرَّعِيَّةَ فِي نُورِ الْعَدْلِ فَهَذَا مِثَالٌ، وَلَيْسَ بِمَثَلٍ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥] الْآيَةَ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ نُورِهِ وَبَيْنَ الزُّجَاجَةِ وَالْمِشْكَاةِ وَعَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّبَنِ فِي الْمَنَامِ بِالْإِسْلَامِ وَالْحَبْلِ بِالْقُرْآنِ، وَأَيُّ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَبْلِ وَالْقُرْآنِ إلَّا فِي مُنَاسَبَةٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَبْلَ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي النَّجَاةِ، وَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الظَّاهِرَةِ، وَالْإِسْلَامُ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الْبَاطِنَةِ فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ مِثَالٌ، وَلَيْسَتْ بِمَثَلٍ اهـ الْمُرَادُ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ: إنَّ جَوَابَ الصُّوفِيَّةِ عَنْ اسْتِشْكَالِ كَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ فِي الْآنِ الْوَاحِدِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَالشَّمْسِ تُرَى فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْإِشْكَالَ لَمْ يَرِدْ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ مَوَاضِعَ عِدَّةٍ، وَهُوَ فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى يُصْبِحَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ يُرَى فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ بِجُمْلَةِ ذَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُلُولَ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ مُحَالٌ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَلَا يُتَّجَهُ الْجَوَابُ إلَّا بِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا ذَاتُهُ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَرْئِيٍّ مِنْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَى مِثَالُهُ لَا هُوَ بِذَاتِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي» وَأَنَّ التَّقْدِيرَ مَنْ رَأَى مِثَالِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِمِثَالِي، وَأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِعِصْمَةِ الْمِثَالِ عَنْ الشَّيْطَانِ، وَنَصَّ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا أَنَّ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَالْمَلَائِكَةَ كَذَلِكَ مَعْصُومَةٌ عَنْ تَمَثُّلِ الشَّيْطَانِ بِمِثْلِهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمِثْلِ يُمْكِنُ حَقًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهُ تَمَثَّلَ بِذَلِكَ الْمِثَالِ اهـ.
[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ تَصِحُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ]
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا تَصِحُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) صَحَابِيٌّ رَآهُ فَعَلِمَ صِفَتَهُ فَالطَّبْعُ فِي نَفْسِهِ مِثَالُهُ، فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ الْمَعْصُومَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللُّبْسُ، وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَثَانِيهِمَا: رَجُلٌ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ سَمَاعُ صِفَاتِهِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكُتُبِ حَتَّى انْطَبَعَتْ فِي نَفْسِهِ صِفَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِثَالُهُ الْمَعْصُومُ كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِرُؤْيَتِهِ مِثَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَجْزِمُ بِهِ مَنْ رَآهُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللُّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجَزْمُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِثَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمَرْئِيِّ لِمَنْ رَآهُ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا قَوْلُ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْذِبُ لِنَفْسِهِ وَيَكْذِبُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ