الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا، وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هِيَ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّائِبَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا) قُلْتُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ. قَالَ: (وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدَةٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) قُلْتُ لَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لَا غَيْرُ.
قَالَ (وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا ذَلِكَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينَ فَصَارَتْ هَذِهِ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ) قُلْتُ هُوَ كَمَا قَالَ مَوْضِعُ نَظَرٍ. قَالَ: (وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّابِئَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا يُوجِبُ الشَّكَّ وَكَذَا يَلْزَمُهُ إنْ قَالَ إنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ
سَحْنُونٌ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا شَيْئًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ، وَمَسَائِلُ هَذَا النَّوْعِ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا.
وَالشُّكْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ قَضَائِي جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَالَ الدَّافِعُ إنَّمَا أَسْلَفْتهَا لَهُ فَاَلَّذِي قَالَ أَسْلَفْتهَا لَهُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَاضَاهُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ هُوَ أَيْ الْآخَرُ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لِقَوْمٍ صُدُقٍ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّلَفِ وَقَضَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ، وَالثَّنَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا طَالَ زَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَقْتُهُ قَرِيبٌ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عِنْدَ قَوْمٍ فِي مَسَاقِ حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُمْ أَوْ شُكْرٍ شَكَرَ بِهِ أَحَدًا فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ لِمَا قَدَّمَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ قَدْ أَسْلَفْته كَمَا ذَكَرَ وَلَمْ أَقْبِضْ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ قَضَيْته، وَإِنَّمَا ذَكَرْت إحْسَانَهُ إلَيَّ، وَأَثْنَيْت عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْمُقِرُّ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ فَإِنْ جَهِلُوا وَشَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى جِهَتِهِ وَكَانَ سَاقَهُ لَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ، وَهَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَأَسَاءَ تَقَاضِي ذَلِكَ لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدْ دَفَعْته لَهُ فَقَالَ الْآخَرُ مَا تَقَاضَيْت مِنْك شَيْئًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ الدِّينَارَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَالْمُقِرِّ عَلَى الشُّكْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَضَيْته إيَّاهَا أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ جَرَّهُ الْحَدِيثُ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الشُّكْرِ، وَالذَّمِّ فَلَا يَأْخُذُ بِهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ، وَالِاعْتِذَارُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلسُّلْطَانِ فِي الْجَارِيَةِ وَلَدْت مِنِّي أَوْ الْعَبْدُ مُدَبَّرٌ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَنْزِلًا فَقَالَ هُوَ لِزَوْجَتِي ثُمَّ سَأَلَهُ فِيهِ ثَانٍ، وَثَالِثٌ مَنْ بَنِي عَمِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارٌ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهَا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ أَنْ يَكْرِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ وَهُوَ لِابْنَتِي حَتَّى أُشَاوِرَهَا ثُمَّ مَاتَ فَقَامَتْ الِابْنَةُ فِيهِ قَالَ لَا يَنْفَعُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَازَتْ ذَلِكَ، وَلَهَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْحِيَازَةِ بَيِّنَةٌ قِيلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً قَالَ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ بِهَذَا يُرِيدُ مَنْعُهُ، وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَهَبْته أَوْ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالرَّافِعُ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، وَيَرْفَعُ حُكْمَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُقِرُّ لَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقِرُّ لَهُ بَلْ هِيَ ثَمَنُ بُرٍّ فَيَلْزَمُ يَمِينُ الطَّالِبِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ.
[الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ]
(الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ. (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ، وَالْقَتْلُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ لِمَالِكٍ، وَالْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْجَوَازُ فِي الْجِرَاحِ دُونَ الْقَتْلِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَعَلَى الْجَوَازِ فَإِنَّمَا تَجُوزُ بِأَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْقِلُ الشَّهَادَةَ
(الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ