للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ.

وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ) قُلْتُ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ النُّفُوسِ. قَالَ: (فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ السَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ: (وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ) قُلْتُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْوَاجِبَةِ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالدُّيُونِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُ أَوْ قِبَلَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانَاتِ، وَالْأَمَانَاتِ

(وَالرُّكْنُ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ

(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ رَشِيدٌ طَائِعٌ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ وَالْمَالُ فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الصَّغِيرُ أَنَّهُ احْتَلَمَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ إذْ لَا يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.

وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ غَيْرٍ كَالْمُفْلِسِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرِيضِ فَأَحْكَامُ إقْرَارِهِمْ مَشْهُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ

(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْخَطَأِ، وَجِرَاحِ الْخَطَأِ الَّتِي فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِقْرَارُهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَمَّا مَا فِيهَا دُونَ ثُلُثِهَا فَتَلْزَمُهُ فِي مَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مِنْهُ كَإِقْرَارِهِ فِي عَبْدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ

(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ شَاهِدًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ، وَعَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَيَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ غَيْرُ النِّصْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْلُ إلَّا الْحَالَةَ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ، وَقَسَّمَ الْأُولَى إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ، وَيَقْضِي فِيهِ بِالْمِلْكِ، وَمَا يُؤَثِّرُ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ قَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْمُقِرُّ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ أَوْ عَيْنًا أَقَرَّ بِهَا مِنْ سَلَمٍ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَضَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَيْنًا قَضَى عَلَى الْمُقِرِّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَلَا يُقْضَى بِالْمِلْكِ بَلْ بِإِلْزَامِ التَّسْلِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَقْضِ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِقْرَارُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَيَنْتَقِلُ بِيَدِهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ

(الرُّكْنُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِلْجَمَادِ، وَالْحَيَوَانِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكْذِبَ الْمُقِرُّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ إلَى الْإِقْرَارِ

(وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ بِهِ ضَرْبَانِ نَسَبٌ، وَمَالٌ

(فَالْأَوَّلُ) هُوَ الِاسْتِلْحَاقُ، وَمَسَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ

(وَالثَّانِي) مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ مَا صَدَرَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَا يُقَيِّدُهُ أَوْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ أَوْ حُكْمَ بَعْضِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَحَلِّ أَوْ بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْغَايَةِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ الشُّكْرِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ الِاعْتِذَارِ أَوْ بِتَعْقِيبِهِ بِمَا يُبْطِلُهُ فَالْمَحَلُّ كَقَوْلِهِ غَصَبْت فُلَانًا ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْخَذُ بِالثَّوْبِ، وَالْمِنْدِيلِ، وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ الْمِنْدِيلُ، وَالْعِلْمُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا حَسِبْت أَوْ فِيمَا رَأَيْت فَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ إقْرَارٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا قَالَ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا يَحْضُرُنِي فَهُوَ شَكٌّ لَا يَلْزَمُ، وَالْغَايَةُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَلْزَمُهُ مِائَةٌ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَكَقَوْلِهِ عَلَى مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرٍ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ.

وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْخِيَارُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ كَالْأَجَلِ، وَقِيلَ الْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ فَقَالَ الْمُقِرُّ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>