أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِذْنِ إمَامٍ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ السَّلَبَ كَانَ لِلْقَاتِلِ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّبْلِيغِ وَالْفُتْيَا فَقَدْ حَصَلَ السَّلَبُ مِنْ بَابٍ آخَرَ غَيْرِ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِمَّنْ وُجِدَ فِي حَوْزِهِ بِشَرْطِهِ لِأَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ بِسَبَبِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِمَّنْ وُجِدَ مَعَهُ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
وَأَمَّا الْإِقْطَاعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ وَإِنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ تَقَعُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا حَقِيقِيًّا فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَتَبْدِيلُهُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّلَبِ وَإِنَّمَا سَاوَى السَّلَبَ مَا حَازَهُ الْأَجْنَادُ وَالْأُمَرَاءُ مِنْ إقْطَاعَاتِهِمْ مِنْ خَرَاجٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِنْهُمْ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا السَّلَبُ فَقَبْلَ حُصُولِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ بِهِ تَعَلُّقٌ أَلْبَتَّةَ وَبَعْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ فَالْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ لَا تَحْصُلُ لِلسَّلَبِ أَلْبَتَّةَ وَالْإِقْطَاعُ يَحْصُلُ لَهَا هَذِهِ الْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ وَإِبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ أَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ وَهَذَا شَأْنُ الرِّسَالَةِ أَعْنِي التَّبْلِيغَ، وَحَمْلُ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَالِبِ طَرِيقٌ حَسَنٌ وَهُوَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَمْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَقَالَ إذْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى قَاعِدَتِهِ فِيهِمَا وَجَعَلَهُمَا مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَشَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْإِمَامَةِ وَسَبَبُ نَقْضِ مَالِكٍ لِأَصْلِهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] مَعْنَاهُ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَبِ وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ يَدُلُّ عَلَى مُقَابِلِهِ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْآيَتَيْنِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَانِمِينَ فَلَوْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فُتْيَا لَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي مُنَافَاةِ الظَّاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ مِمَّا إذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ حَتَّى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَيُمْضِيَ لَهُمْ تِلْكَ الْإِجَارَةِ إلَى حُلُولِ أَجَلِهَا وَلَهُ دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطَعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُقْطَعِ لَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَقْفِ إذَا آجَرَهُ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ زَمَانَ اسْتِحْقَاقِهِ وَغَيْرَ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ فَفِي بُطْلَانِهِ فِي غَيْرِ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمُقْطَعَ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُقْطِعٌ لِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُوِّلَ عَنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَدْ آلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ مِنْ الْإِمَامِ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ.
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ]
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
قَالَ الْأَصْلُ وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ يَقِفُوا وَقْفًا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَقْفَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ وَإِذَا لَمْ تَقَعْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ وَقَفُوا عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ جِهَاتِ أَقَارِبِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى حَوْزِ الدُّنْيَا لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ وَقَفُوا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ لَهُمْ وَأَنَّ الْوَقْفَ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ جَهَلَةُ الْمُلُوكِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ الْمَالِ لَهُمْ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ مَنْ وَقَفَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْوَقْفُ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بِهَذَا الْوَقْفِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُ كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ وَصَرْفُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه