للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى نَقْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا.

وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَتَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَهَاهُنَا حِينَئِذٍ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ فَقَدْ رَفَعَ بَعْضَ مَا نَطَقَ بِهِ فَيَصِحُّ وَلَنَا قَاعِدَةٌ عَقْلِيَّةٌ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ كَقَوْلِك هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا.

وَلَيْسَ بِفَرْدٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فِي الْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فِي حَقِيقَةِ الْمَصْدَرِ فَإِذَا رَفَعَ الْوَحْدَةَ مِنْ مَصْدَرِ الطَّلَاقِ تَعَيَّنَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَثْرَةُ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا سِتُّ حَالَاتٍ الْحَالَةُ الْأُولَى مَا تَقَدَّمَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا.

ثُمَّ يَسْتَثْنِيَهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ)

قُلْت هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقَانِ اللَّذَانِ بَعْدَهُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقِصَاصِ ذَهَبَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْقَتْلِ وَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَغَيْرَ مُبَاحِهِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ فَتَأَمَّلْ (وَمِنْهَا) اجْتِمَاعُ التَّحْرِيمِ مُضَاعَفًا فِي أَئِمَّةٍ، وَتَعَلُّقَاتُ الْخِطَابِ فِيهِ بِتَصَوُّرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّنَى مُحَرَّمٌ وَبِالْبِنْتِ أَشَدُّ وَبِهَا فِي الصَّوْمِ أَشَدُّ وَمَعَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَفِي الْكَعْبَةِ أَشَدُّ فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ مُحَرَّمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَأَنَّهُ مُضَاعَفٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَخِطَابُ التَّحْرِيمِ قَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَرْبَعَ تَعْلِيقَاتٍ فَإِذَا تَصَوَّرْت اجْتِمَاعَ التَّحْرِيمَاتِ تَصَوَّرْت ارْتِفَاعَ بَعْضِهَا وَحُصُولَ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ مَعَ التَّحْرِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْأَسْبَابِ وَتَصَوَّرْت أَيْضًا اجْتِمَاعَ الْوُجُوبَاتِ بِتَظَافُرِ أَسْبَابِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَأَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ بَعْضُهَا فَيَحْصُلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ وَالْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَارَةً تَثْبُتُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا)

فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ كَانَ انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى مَنْ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُ ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ كَعَشْرٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَالْأُخْتَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَمِنْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً أَيَّتَهمَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى يَخْتَارُ الْأَوَائِلَ مِنْهُمْ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَارَقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَثَرَانِ

(أَحَدُهُمَا) مُرْسَلُ مَالِكٍ أَنَّ «غَيْلَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ أَرْبَعًا»

(الْحَدِيثُ الثَّانِي) حَدِيثُ «قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت» (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ الْمُخَالِفُ لِلْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَشْبِيهُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَوَاخِرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْنِي أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ فَاسِدٌ فِي الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ ضَعْفٌ. اهـ

بِتَصَرُّفٍ وَوَجْهُ الضَّعْفِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَيَأْتِي فَتَنَبَّهْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا وَأَيَّ وَاحِدَةٍ شَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>